لفت راعي أبرشية الموارنة في فرنسا، والزائر الرسولي على أوروبا، ​المطران مارون ناصر الجميل​، في محاضرة له بعنوان : "الموارنة بين الحال الراهنة والرجاء"، إلى "ضرورة إنتاج لغة جديدة بعيدة عن العقد والزبائنية التي طبعت عقلية التعاطي سابقاً مع الغرب والشرق، واستخلاص عبر التجربة التاريخية مع كل من الفاتيكان وفرنسا لكي يبقى للموارنة خصوصاً ولمسيحيي المشرق عموماً هويتهم الخاصة بهم ودورهم في رفع لواء القضايا الكبرى".

وأوضح المطران الجميل أن "الفاتيكان كان يسعى منذ الانقسام الكبير (1054) وحروب الفرنجة، إلى وحدة الكنيسة. وبعد نشوء الحركة البروتستانتية وجد في الكنيسة المارونية حليفة له في مقابل محاولة التوسع البروتستانتية باتجاه كنائس المشرق. إلا أن مجمع تريدنتيني الذي انتهى في 1563 أدى إلى انفتاج الموارنة على الثقافة الغربية من خلال إنشاء المدرسة المارونية في روما في 1584 ، الأمر الذي كرس الانفتاح الفكري الجدي لهذه الكنيسة الانطاكية السريانية الصغيرة على كنيسة روما اللاتينية الكبيرة. وخلال قرنين كان هذا المعهد ضرورياً لتطور الاستشراق في أوروبا الذي وفر للشرق وللغرب، على حد سواء، علماء ذائعي الصيت شكلوا صلة وصل بين ثقافتين وعالمين".

وعن المخاطر التي تحدق بالموارنة وبمسيحيي المشرق في الوقت الراهن، تخوف المطران الجميل من "إلغاء حرية العبادة ورفض حق الاختلاف وانخفاض نسبة الولادات وازدياد هجرة المسيحيين وبيعهم أراضيهم والانقسام داخل صفوفهم وانخفاض مستوى تمثيلهم السياسي ومعرفتهم بالتعليم المسيحي، ناهيك عن اختلال التوازن الطائفي داخل القوات المسلحة والأمن والمصارف على حساب المسيحيين، في حين يطرح مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين مشاكل جمة للحفاظ على التوازن الطائفي والوحدة الوطنية".

وفي خلاصة محاضرته، قال المطران الجميل : "ان انفتاح الموارنة ومسيحيي المشرق على الغرب ساعدهم على الحفاظ على "فرادتهم" واستقلالهم. ومن المؤكد أن تقدمهم يعود إلى صلابة إيمانهم لكنه عائد أيضاً إلى تقاطع مصالح القوى العظمى في حقبة سابقة. ويظل السؤال المطروح اليوم هو : كيف يمكن الحفاظ على الذات وعلى المصلحة التي لا بد منها، على حد سواء، من أجل الدفاع عن القضايا الكبرى؟". وتساءل:"ألسنا في منعطف حاسم من تاريخنا؟ بلى بالتأكيد. وعليه لا يمكننا التفكير وفق المقاييس الغابرة. ينبغي أن نمحو من تاريخنا الاعتقاد بأن الآخرين، غربيين أو شرقيين، القريبين أو الأبعدين، قادرون على حل مشاكلنا".

وتابع الجميل "ليس المطلوب من المفتاح أن يكون ضخماً بل دوره هو فتح الباب، فعلى الرغم من أربعين عاماً من الحرب، تظل بيروت هي أحد مفاتيح العالم العربي، وتبقى كنائس المشرق ومن ضمنهم الموارنة جسر تفاعل وتواصل وحوار بين المسيحية والاسلام".

وبعد انتهاء المحاضرة، دُعِي الحضور إلى تقديم التهاني للمطران الجميل بعيد شفيعه مار مارون في الصالون الشرقي في البيت الفرنسي ـ اللبناني.