على مرآى من العالم كله يتعرض أهلُ حمص، ثالث أكبر مدينة في سورية، للتجويع وللقصف حتّى الاستسلام.

يقبع سكان هذه المدينة التاريخية تحت الحصار منذ ما يزيد عن 600 يوم. والنظام يعتدي عليهم بصورة عشوائية، مستخدما البراميل المتفجِّرة البدائية ونيران المدفعية. وتشتدّ حاجة الناس فيها إلى اللوازم الأساسية. وحسب تقدير اليونيسيف، فإن أكثر من 1,000 طفل ما زالوا محاصرين داخل البلدة القديمة، بينما تشرد مئات الآلاف من سكانها. وتتكرّر صورةٌ مماثلة في حلب وغيرها من المناطق المحاصرة.

هذا هو واقع الصراع في سورية، حيث يُستخدم الجوع والتجويع كأسلحة حرب في القرن الحادي والعشرين. والنظام الذي يدّعي بأنه يقاتل الإرهاب يعكف على ترهيب شعبه، وهي ممارساتٌ يصفها مكتب المفوّض السامي لشؤون اللاجئين بجرائم حربٍ ضد الإنسانية.

من المذهل أن يصبح ما يجري في سورية وكأنّه أمرٌ عادي، بينما الإحصائيات تُخزينا جميعاً: فهناك 9.3 مليون إنسان داخل سورية بحاجة ماسَّة إلى المساعدة؛ وفي أنحائها 242,000 شخصا يقبعون تحت الحصار، والغالبية العظمى منهم رهائن لدى النظام؛ وهناك 100,000 بات يُخشى عليهم من المجاعة لكونهم محاصرين داخل وعلى أطراف مخيم اليرموك بضواحي دمشق؛ ويوجد أكثر من مليوني لاجئ في الدول المجاورة، من بينهم مليون طفل حُرم من التعليم والأمن والأمان.

صحيحٌ أن بعض المساعدات قد دخلت إلى حمص الآن، ولكنها لا تشكل سوى نسبة ضئيلة مما هناك حاجة إليه. ولقد أصرَّ النظام على خروج النساء والأطفال والمسنين من المدينة قبل دخول قوافل الإغاثة. ومع أننا نرحب بدخول أي نسبة من المساعدات الإنسانية، إلا أن علينا جميعا أن نشعر بالقلق العميق تجاه محنة أولئك الذين غادروا حمص، وأولئك الذين بقوا فيها. فهل يحظى من تم إجلاؤهم عن المدينة بالحماية، أم أنهم سيتعرضون للاضطهاد على يد النظام؟ وهل سيُعامَل من يبقى داخل حمص كفريسة سهلة لهجمات أشدّ ضراوة تشنها قوات أمن الأسد؟ لا شكّ أن شبح سربرينتشا يقضّ مضاجعنا جميعاً، حين نتذكّر تعمُّد فُصل النساء والأطفال عن الرجال قبل ارتكاب المذبحة التي راح ضحيتها 8,000 من الرجال والفتيان.

ستحلّ قريبا الذكرى السنوية الثالثة للصراع في سورية دون أن تلوح في الأفق أي إشارة تدل على نهايتها. وإذا استمرّ الأسد في تشبُّثه بالحكم، فإن العنف والمعاناة سوف يتفاقمان بالتأكيد. وسيحصد الإرهاب الذي يتغذى على وحشية نظامه آلافاً أخرى من الأرواح، ويهدِّد شواطئنا أكثر فأكثر. وبالتالي ليس بوسعنا الوقوف متفرِّجين على استفحال هذه المأساة الإنسانية.

أوّلاً، علينا ألا نتخلّى عن السعي إلى حلٍّ سياسي، إذ إنه في نهاية المطاف السبيلُ الوحيد لإعادة السلام إلى ربوع سورية. وقد استؤنفت عملية جنيف 2 هذا الأسبوع، وعلى النظام أن ينضم إلى الائتلاف الوطني السوري المعارض في الالتزام بعملية انتقال سياسي.

غير أن المحتاجين داخل سورية لا يمكنهم انتظار دوران عجلات الدبلوماسية. وعليه، ثانيا، فإن من واجبنا جميعاً مواصلة دعم جهود الإغاثة الإنسانية التي تشرف عليها الأمم المتحدة. وقد خصصت المملكة المتحدة حتى الآن 600 مليون جنيه استرليني - وهي أكبر مساهمة على الإطلاق نقدمها استجابة لأزمة. كما أننا حددنا برنامجا لمساعدة بعض من أشدِّ اللاجئين السوريين حاجة وعرضة للخطر بتوفير مأوى لهم في بريطانيا. ولسوف نظل في مقدِّمة من يبذلون الجهود، غير أنّ على الدول الأخرى أن تزيد من مساهماتها في إنقاذ عددٍ لا يُحصى من السوريين اليائسين، وفي مساعدة الدول المجاورة على استضافتهم.

ثالثاً، علينا استكشاف إمكانات إيصال المزيد من المساعدات بشكل مباشر عبر حدود سورية وخطوط التماس فيها إلى كلّ من يحتاجون إلى إغاثة. فمن غير المقبول أن يكون بإمكان النظام في دمشق أن يعرقل إرسال مساعدات إلى من هم بأمسِّ الحاجة إليها. فالحصول على المساعدات حقٌ، لا منحة من النظام، ولا يمكن للعالم أن يكون طرفاً في سياسة التجويع والقمع التي ينتهجها النظام.

رابعاً، لا بدَّ لمجلس الأمن الدولي الآن أن يتصرف. عليه أن يحدّد مطالب واضحة من النظام، وأن يصرّ على تطبيقه لها. لقد تجاهل الأسد مطالب مجلس الأمن إلى حدٍّ كبير حتى الآن. وها قد آن الأوان لزيادة حدة الضغوط عليه. ومن واجب مجلس الأمن أن يطلب السماح بدخول ووصول المساعدات الإنسانية بالكامل ودون أي عوائق إلى كل المناطق، بما فيها التي يحاصرها النظام. وعليه أن يطلب وقفاً فورياً لاستخدام التجويع كسلاح حرب، وأن يضع نهاية للحصانة من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وعلى المجلس أن يطالب النظام بوقف استعمال البراميل المتفجرة وغيرها من الذخائر ضد المدنيين الأبرياء في أنحاء سورية.

ولا يمكن إيجاد عُذرٍ لأي دولة تقف في طريق صدور قرار جديد عن مجلس الأمن يصرّ فيه على إيصال مساعدات غذائية وطبية إلى المدنيين الأبرياء. لطالما شهد مجلس الأمن الانقسام على نفسه في موضوع سورية، ولكن حان الوقت الآن ليتفق الأعضاء الخمسة عشر كلهم ويؤيدوا قراراً يدعو إلى تخفيف الأزمة الإنسانية الفظيعة. هذا هو ما تقترحه المملكة المتحدة، وإنني أهيب بالأعضاء الآخرين في مجلس الأمن أن يدعموا هذه الجهود. فما من شيء يمكن أن يساهم في جهود إيجاد حل سياسي للصراع أكثر من تحقيق تقدّم عملي على طريق تحسين ظروف حياة الشعب السوري. لقد آن الأوان لمجلس الأمن أن يتحرك، وأن يتخذ قراره بالإجماع.

* ترجمة خاصة لـ"النشرة"