مجدّدًا، فعلها ​الجيش اللبناني​، مؤكداً أنّه الدرع الحامي للوطن في زمن الإرهاب والفوضى..

بالأمس، تنفّس اللبنانيون الصعداء بعد "الإنجاز النوعي" الذي حققه الجيش اللبناني بتوقيف الإرهابي ​نعيم عباس​، وما تلا ذلك من اعترافاتٍ أنقذت البلاد من كوارث ومجازر محتّمة، خصوصًا مع ضبط سيارتين مفخّختين بكميات هائلة من المتفجّرة كانتا معدّتَين للتفجير في إحدى المناطق اللبنانية، وتحديدًا في الضاحية الجنوبية لبيروت..

تنفّس اللبنانيون الصعداء، الذين لم يستطيعوا أن يتخيّلوا تداعيات انفجار السيارتين المفخختين فيما لو حصل، وإن كانوا يدركون أنّ المعركة مع الإرهاب لم تنتهِ فصولاً بعد، وأنّ "جنون" البعض قد يُدخل البلاد في مجهولٍ لن يدري أحد كيف يمكن الخروج منه..

الجيش "فعلها"..

بخبرٍ مقتضب، أعلن الجيش اللبناني صباحًا عن "إنجازٍ" حققه عبرتوقيف الإرهابي نعيم عباسوهو أحد قياديي ألوية عبدالله عزام، مشيرًا إلى أنّ التحقيق بوشر معه بإشراف القضاء المختص.

لحظتها، لم تتكشّف أهمية الإنجاز ونوعيته. ما هي إلا دقائق، حتى بدأت الأمور تتّضح أكثر فأكثر.قطع طريق كورنيش المزرعة من قبل الجيش اللبناني "لأسبابٍ أمنية"وتحويل السير فيها، معطوفًا على الطلب من سكان بعض المباني إخلاءها، كان "أول الغيث".

شعر المواطنون أنّ ثمة "إنّ" في الموضوع، وسرعان ما تكشفت هذه الـ"إنّ"، إذ إنّالجيش قطع الطريق لتفكيك سيارة مفخخة تمّ ضبطها بناءً على اعترافات الموقوف عباس، وهو ما أوضحته قيادة الجيش في بيانٍ رسمي كشفت فيه أنّالجيش كان يرصد عباس منذ مدة، بعد ورود معلومات عن دوره في إعداد سيارات مفخخة وتفجيرها، وقد تمّت ملاحقته منذ خروجه من مخيم عين الحلوة، في عملية مراقبة دقيقة، أسفرت عن مداهمته والقبض عليه. وفور بدء عملية التحقيق معه، سارع إلى الاعتراف بإعداده سيارة مفخخة لتفجيرها لاحقاً، وهي موجودة في محلة كورنيش المزرعة - بيروت، فتمت مداهمتها وتفكيك العبوة التي وجدت بداخلها، وزنتها حوالى 100 كيلوغرام من المواد المتفجرة والأحزمة الناسفة، بالإضافة إلى عدد من القذائف.

وبعد هذا الاعتراف، كرّت سبحة "الاعترافات"، وبنتيجتهاضبط الجيش سيارة ثانية نوع كيا لون رصاصي، كانت تتجه من يبرود في سوريا إلى داخل الأراضي اللبنانية ثم بيروت، وبداخلها ثلاث نساء، على أن يسلمن السيارة المذكورة لأشخاص انتحاريين، وقدلوحقت السيارة وتم توقيفها عند حاجز اللبوة مع النساء الثلاث. وفي السياق نفسه،داهمت قوة من الجيش مخزناً في محلة السعديات، وضبطت بداخله عدداً من الصواريخ من عيار 107 ملم، بالإضافة إلى كمية من المتفجرات، ومواد لتصنيع المتفجرات وأختام وهويات مزورة ومعدات تستخدم في التزوير، كما عثر على أربعة صواريخ في خراج بلدة الدبية ـ إقليم الخروب، معدّة للإطلاق على إحدى المناطق اللبنانية.

وفيما تستمرّ التحقيقات مع الموقوفين لكشف ملابسات العمليات الإرهابية والمخططات التي كانوا يعدّون لها والمتورطين الذين يقفون وراءها، أعلنت قيادة الجيش أنّ الموقوف عباس اعترف أيضًا بوجود مخابئ لسيارات مفخخة تجري مداهمتها حالياً، كماأدلى باعترافات تثبت صلته بتفجيرات وقعت أخيراً.

عون والحريري "تفاهما"؟

وعلى وقع سبحة "الاعترافات" التي كرّت، كرّت سبحة "التهاني" التي تناوب السياسيون على تقديمها للجيش اللبناني لتهنئته على الإنجاز الذي تحقق، فأتت شبيهة بسبحة الاستنكارات التي تأتي إثر كلّ انفجارٍ أو عملية أمنية تحصل على الأراضي اللبنانية، فيما بقيت الملفات السياسية المتنوّعة على جمودها، وسط الخشية من سيناريوهات صعبة على أكثر من صعيد.

وفي حين بقي "التشاؤم" سيّد الموقف في ملف الحكومة، ولو بقيت مصادر رئيس الحكومة المكلف تمام سلام مصرّة على بث روح "التفاؤل" وشطب فرضية "الاعتذار" من قاموس الرجل، لفت ما ذكرته صحيفة "الأخبار" عنمؤشرات قوية على احتمال إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة خلال 48 ساعة، وذلك بعد تدخل وسيط قوي، يُعتقَد أنه غير لبناني، لفتح قنوات اتصال فعالة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. وبحسب الصحيفة، فإنّ اتصالاً هاتفياً واحداً على الأقل جرى بين العماد ميشال عون ورئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، وأن الوزير جبران باسيل ونادر الحريري يتواصلان بصورة دورية لمتابعة تفاصيل كثيرة، وثمة معلومات غير واضحة عن لقاءات وليس فقط عن اتصالات. وتحدّثت عن اختراق حصل من خلال إقناع العماد عون بأنّ ترك حقيبتَي الطاقة والاتصالات ليس آخر الدنيا، مقابل تعزيز مكانته الحكومية، سواء من خلال حقائب أساسية، أو من خلال طريقة توزيع الحقائب، وتمثل الاختراق الأول بإبقاء وزارة الطاقة من حصة تكتل التغيير والإصلاح، وأن تُسنَد إلى وزير أرمني، لا يخضع عادة لسجال أو فيتوات من بقية الأفرقاء.

في غضون ذلك، نقلت صحيفة "النهار" عن أوساط رئيس الجمهورية ​ميشال سليماناطمئنانه الى مسار المشاورات الجارية لتشكيل حكومة جديدةوالتي ستنتهي الى نتائج ايجابية، لكنّمصادر في "8 آذار" استبعدت تأليف الحكومة، واعتبرت أنّ "الاجواء الواردة من قصر بعبدا عن نية سيد القصر توقيع مراسيم الحكومة السلامية فور ورودها اليه، لا تتجاوز حدود الضغوط التي يمارسها الرئيس على القوى السياسية عبر تحديد مهل زمنية والتهويل بتوقيع مراسيم الحكومة، من غير ان تكون مبنية على معطيات ثابتة أو رغبة حقيقية في التأليف".

كلمة أخيرة..

هي خطوة جريئة حققها الجيش اللبناني في مواجهة الإرهاب المصمّم على كلّ أنواع "الجنون" مهما كان الثمن، على أمل أن لا يجد هذا الإرهاب في صفوف السياسيين من يتطوّع للدفاع عنه والتصويب على المؤسسة العسكرية..

الإنجاز نوعي إذًا دون شك، وكنز المعلومات الذي بات في قبضة الجيش يمكن أن يفضي إلى الكثير والكثير، ولكنّ الأكيد أيضًأ أنّ المعركة مستمرّة، وأنّ الآتي قد يكون أعظم، فـ"الحرب" انطلقت، ومعها تبقى كلّ الأمور واردة..