"طارت الحكومة".. هكذا باختصار يلخّص مصدرٌ سياسي مطلع على مجريات الاتصالات واللقاءات التي جرت في الأسابيع الأخيرة، ولم تُفضِ إلى أي خيار منطقي في التشكيل، كاشفاً أنه مرشح للاستمرار حتى الخامس والعشرين من آذار المقبل؛ موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. وحمّل المصدر رئيس الحكومة المكلف تمام سلام ومن خلفه فريقه السياسي مسؤولية التعطيل الذي طال المؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية، ويروي جزءاً من تفاصيل المفاوضات المملة التي قامت على خطوط الضاحية والرابية وعين التينة والمصيطبة وبعبدا وكلمينصو، حيث ظهر الرئيس المكلف من أكثر المتشددين في كيفية التشكيل وتوزيع الحقائب، بما لا يتناسب أبداً مع الأحجام والأعراف التي كان يؤمن بها والده، حيث المبدأ الأساسي حكومة جامعة سياسياً وطائفياً ومذهبياً، إلا أن تمام وبدفع من الرئيس السنيورة أطاح بشكل حاد بأي تشكيلة أو تقارب، بل المنطق الذي اعتمد عليه في الأساس هو "ما لنا لنا.. وما لكم لنا".

ويتابع المصدر أن كل محاولات تدوير الزوايا وابتداع صيغ تقاربية معقولة رُفضت في المبدأ، وكان نقاشه يعتمد على مقولة واحدة: "أنا من يحدد من سيعيَّن في هذه الوزارة أو تلك"، وبدا وكأنه يتصرف بشكل تعسفي، حتى أن موفد جنبلاط (الوزير وائل أبو فاعور) ضاق ذرعاً به.

ويستطرد المصدر بعرض بعض الوقائع فيقول: معضلة المداورة هي حكاية ساقها الرئيس فؤاد السنيورة وسوّقها تمام سلام، وحاول الرئيس بري مسايرة الفكرة، أو بالأحرى مسايستها، وإن لم يكن مقتنعاً بها كثيراً، لكنه اعتقد أنه ربما تكون مدخلاً لتأليف حكومة سياسية وفق قاعدة "الثلاث ثمانات" التي رست عليها الحكومة، بعدما تنازلت "8 آذار" عن قاعدة "9-9-6".

ويتابع المصدر أن فكرة المداورة كانت صناعة "14 آذار"، وهدفها بشكل مباشر إقصاء العماد عون عن وزارتي الطاقة والاتصالات، بعدما استفاق هذا الفريق على جملة إنجازات كبيرة في موضوع النفط، الذي قطع فيه جبران باسيل أشواطاً هامة، لكن النتيجة كانت مخيّبة لهذا الفريق، فلا التهديد بحكومة حيادية استطاعوا تنفيذه، ولا حكومة الأمر الواقع وصلوا إليها، ولا المداورة تحققت، والجماعة اصطدموا بالحائط، وباتوا يلقون اللوم على بعضهم بعضاً، في ظل صمت واضح من الرئيس سعد الحريري، وحركة مستترة للسنيورة باتجاه الخارج.

وبحسب المعلومات فثمة نقاش ساخن دار في أروقة "14 آذار" على خلفية الفشل السياسي في تشكيل حكومة يرأسها شخص محسوب تماماً على هذا الفريق غداة الإطاحة السعودية بحكومة نجيب ميقاتي، الذي لم يقوَ بدوره على التصدي للهجمة الإعلامية والسياسية عليه، ولو أنه صمد وانتظر حتى موعد جينف وتبدُّل معالم الجو السياسي في المنطقة لكانت الأمور على غير ما هي عليه الآن، لكن ورغم ذلك فإن الفريق الآذاري يعتقد أن الجالس في السراي الحكومي هو الحاكم، ولو بصيغة تصريف الأعمال، فالوزارات تعمل بشكل عادي، والرئيس يداوم في مكتبه، أما الجالس في المصيطبة فليس بمقدوره فعل شيء.

ويصف المصدر السياسي حالة تمام سلام النفسية بأنها يائسة، بعد بلوغ الشهر الحادي عشر من التكليف بدون أي بارقة أمل بوصوله إلى السراي، ولو لأسابيع أو حتى أيام، ولذلك فإن سلام قد يُدفع إلى الاعتذار.

لذلك، ثمة من يلفت إلى أنه بعد فشل سلام أو إفشاله من داخل "بيت الوسط"، بدأ الحديث يكثر عن وضع الملفات كلها في سلة واحدة؛ من تسمية رئيس جديد للحكومة قد يكون سعد الحريري، الذي بدأ يحظى بقبول من "8 آذار"، إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ضمن التوافق الوطني والإقليمي والدولي، وكل ذلك مرهون بمسار التطورات في سورية، وانعكاسها على مجمل ملفات المنطقة، خصوصاً لبنان، حيث توقُّع قرار دولي لمكافحة الإرهاب التكفيري، تكون لسورية برئاسة بشار الأسد دور محوري فيه، فضلاً عن دور قادم أكثر فاعلية لإيران وتركيا والسعودية، التي يقال إنها بدأت باعتماد نمط جديد في مقاربتها للوضع في سورية، ستظهر معالمه في الشهرين المقبليْن.