يخيّم على ذكرى 14 شباط، اليوم، حديث الانقلاب الحريري. جلوسه مع حزب الله أمر وتفاهمه مع العماد ميشال عون أمر آخر. ما يفعله الحريري في قوى 14 آذار أكبر من كل كلام

كان الصمت، أمس، سيد الأوساط النخبوية في قوى 14 آذار، مسيحيين ومسلمين. الجميع يحاذر التعليق العلني على تطورات الساعات الاخيرة. لكن عبارة يتيمة عبّرت عن مكنونات من ينتمون الى هذا الوسط: «نأمل أن تتألف الحكومة قبل الاحتفال بذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كي تكون لنا حجة لنقاطع الاحتفال».

تعكس هذه العبارة حالة الاعتراض على الأداء الاخير للرئيس سعد الحريري في مقاربته موضوع تأليف الحكومة. فما إن بلع البعض موسى الجلوس الى جانب حزب الله على طاولة الحكومة، وإعلان الحريري موافقته على ذلك من لاهاي تحديداً، حتى فاجأتهم أخبار الانقلاب الذي نفّذه الحريري بالتفاهم مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، في شأن تأليف الحكومة.

كانت القصة بالنسبة إليهم، أولاً، عبارة عن اتصالات سرية وبالواسطة بين مقربين من الرجلين، وظلوا يحصرونها في حدود ترطيب الاجواء بين الافرقاء المحليين لا أكثر ولا أقل. لم تثر هذه الاتصالات ردّ فعل معارض بعدما كان في اعتقاد أوساط قوى 14 آذار أنها لا تعدو كونها مناكفات محلية، حتى إن البعض اعتبرها رسائل موجهة لـ«زكزكة» رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وفي أفضل الاحوال صبّ البعض غضبهم على عون لا على الحريري.

جاء اللقاء بين عون والحريري ليكون أول جرس إنذار لشخصيات المستقبل وقوى 14 آذار، بعدما تأكد لها حصوله خارج إيطاليا، بأن ثمة ما يحاك بعيداً عنهم. وبدأت الاتصالات واللقاءات البعيدة عن الأضواء لتلمس حقيقة ما حصل. لم يكن أحد من هؤلاء يريد أن يتذكر لقاءات الحريري في دمشق قبل أعوام. لكن بدأ الاقتناع يكبر لدى هذه الشخصيات بأن الحريري مضطر، بقرار سعودي لا يريده، الى تسهيل تأليف الحكومة. لكن ما حصل هو أنه لا يتشاور مع أحد، لا مع قيادات المستقبل ولا مع قيادات 14 آذار المسيحيين، الموافقين منهم على الحكومة والمعترضين. الحلقة الضيقة المقربة منه، فقط، كانت تعلم بما يدور بين عدد من العواصم الاوروبية والعربية في شأن تعويم الاتصالات بين تيارين كانا لا يزالان الى وقت قريب يتبادلان الاتهامات. تكفي إعادة سماع مقابلات عون والحريري التلفزيونية في العامين الماضيين لتعود الى قوى 14 آذار هواجس وأسئلة من نوع «الى أين يأخذنا الحريري؟»، لا «الى أين يأخذنا عون؟»، باعتبارهم معنيين، أولاً وآخراً، بالبعد الذي مثلته لهم يوماً حركة 14 آذار فقط.

كان ثمة اقتناع لدى البعض، في المقابل، بأن الحريري لن يمشي بالحكومة، وأنه إذا اتفق مع حزب الله، لأسباب تتعلق بتسوية الصراع السنّي ـــ الشيعي وتهدئة الشارعين بعد العمليات الانتحارية، فإنه لن يتفق قطعاً مع عون، لأن ما يفرق الاثنين أكبر وأكثر ممّا يجمعهما. لكن الحريري خذل مريديه، المقرّبين منهم تحديداً وممن هم من أهل البيت، الذين كانوا بالأمس يودعون الوزير محمد شطح، ويكيلون الاتهامات لحزب الله، من بيروت ومن لاهاي. فجلس الى جانب حزب الله ومع عون وصاغ معه انقلاباً على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف والرئيس نبيه بري، وعلى قوى 14 آذار التي كانت أمس تتبادل الاسئلة القلقة حول ما جرى.

لم تكن مفارقة جيدة أنه في اللحظة التي كان فيها اللواء أشرف ريفي، الذي دفع ثمن انتمائه الى خط 14 آذار، يشنّ هجوماً على الوزير جبران باسيل، كانت الأنباء تتردد عن لقاء الاخير مع مستشار الحريري نادر الحريري. ولم تكن أيضاً لحظة مناسبة أن تكون شخصيات المستقبل تتحدث عن معركة يبرود التي ستُسقط الحكومة بسبب تدخل حزب الله فيها، فيما يرتاح تكتل التغيير والاصلاح الى ما يحوكه عون مع الحريري، نائماً على وسادة الحكومة من «أجل إنقاذ البلد».

ولم تكن مناسبة سعيدة لقوى 14 آذار أن يجري أحد البارزين في تيار المستقبل، والذي اعتادوا صياغة مواقفه، اتصالات مع الجميع لمعرفة ما أدى إليه اتفاق ربع الساعة الأخير، فيما كلمة السر في يد تكتل التغيير والاصلاح.

أمس كان يوماً «حزيناً» لقوى 14 آذار، لا علاقة له بذكرى 14 شباط، ويتعدى الرغبة في إنقاذ البلد والانضمام الى حكومة جامعة تشرف على انتخابات رئاسة الجمهورية أو على الفراغ. الاستياء بلغ ذروته، مع الخشية من أي اتفاقات مستقبلية تتعدى الحكومة، على مشارف استحقاق رئاسي وقانون انتخاب. ولا يحاول أحد اليوم إقناع هذه الشخصيات بأن الحريري لن يفعلها.

في المقابل، ثلاثة أفرقاء يحق لهم أن يعبّروا عن فرحتهم، كلّ من زاويته السياسية. أولاً، الدكتور سمير جعجع، فهو ظل حتى اللحظة الاخيرة خارج سياق الحكومات والاتصالات حولها. أخرج نفسه منها كي يتفرغ لمعركة أكبر ويبقى خارج الحكم يتفرج، خصوصاً أن المقعد الوزاري (ولم يكن ليكون مارونياً) لن يزيد على موقع القوات أي رصيد. يرتاح جعجع ويعيد قراءة كل ما سبق وما سيلي من تطورات فرضت وقوفه خارج الاصطفاف الحالي، مستعداً لمرحلة الاستحقاق الآتي.

الفريق الثاني هو العماد ميشال عون الذي أوقف حكومة الأمر الواقع ونجح في رفض ما يريده رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. لعب على فكرة إقصاء المسيحيين، ففرض شروطه كما فعل مع حكومات الحريري والرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي. يرتاح عون وباسيل كثيراً هذه الايام. هناك تعبير عن رضى بأنهما تمكّنا من «إنقاذ البلد» بحكومة جامعة مهمتها تأمين مرحلة الاستحقاق لا الإشراف على الفراغ.

أما الفريق الثالث فهو حكماً حزب الله. في اللحظة الإقليمية، التي تريدها إيران، والتي يحتاج فيها الى غطاء حكومي والى حماية تدخله في سوريا، يجلس الى طاولة الحكومة مع الحريري. بالنسبة الى البعض من شخصيات 14 آذار، حقق عون لحزب الله مشاركة الحريري بأحسن شروط ممكنة، لم يتمكن النائب وليد جنبلاط ولا موفده الوزير وائل أبو فاعور من الحصول عليها. يرتاح الحزب اليوم بحسب 14 آذار. الشريك في التحالف الرباعي هذه المرة ليس من مسيحيي 14 آذار ولا هم يتحمّلون المسؤولية عنه. فعون غطّى دخول الحريري الى الحكومة والحزب غطّى عون ووقف الى جانبه. والحريري باق في باريس.

أي مشهد أفضل من ذلك للاحتفال بذكرى 14 شباط؟