لفت رئيس اساقفة بيروت واللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر الى ان المذكرة الوطنية التي صدرت عن البطريرك بشارة الراعي، تؤكد ان "لبنانَ قامَ ويقومُ على ميثاقٍ وعهدٍ بين أبنائه المسلمين والمسيحيِّين، يعيشون بروحه معا بالمساواة فيما بينهم في الحقوق والواجبات وباحترام تنوُّعِهم الدِّينيِّ والمذهبي"، لافتا الى ان "العيش المتساوي في الحقوق والواجبات والَّذي يتشاركُ فيه المسلمون والمسيحيُّون في السُّلطة على قدر المساواة، لا مثيلَ له إلاَّ في الوطنِ اللبنانيِّ وحده".
كلام مطر جاء خلال ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، تحت عنوان: "المذكرة الوطنية لصاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي".
واشار مطر الى ان المذكرة تعالج "موضوعَ الهواجس الَّتي تُقلِقُ بالَ المواطنين في الزَّمن الحاضر، فتلفت أوَّلاً إلى ضرورة قيام الدَّولة الَّتي تُجسِّدُ الميثاقَ بين اللبنانيِّين وتثبِّته في القوانين كما في التَّصرُّفات، وهنا يبرزُ الخطرُ على الكيانِ اللبنانيِّ نفسِهِ، إذا ما عادت كلُّ جماعةٍ من واضِعِي الميثاق إلى التَّصرُّف المنفرد وإلى صياغة المصلحة الوطنيَّة العامَّة انطلاقًا من المصلحة الذَّاتيَّة الضيِّقة، فيجنَح إذَّاك اللبنانيُّون، لا سمحَ اللهُ، إلى استقواءِ كلٍّ منهم بالخارجِ سعيًا إلى ضمانة حقوقهم في الدَّاخل، وهذا بدلاً من ضمان هذه الحقوق عن طريق وحدتهم وانطلاقًا من جوهر الميثاق وحده".
وحذر من ان "مثلَ هذا التَّصرُّفِ من شأنه تعطيل الدَّولة وتكبيل الدُّستور وتجميد المؤسَّسات عن العمل في سبيل الوطن المُوَحَّد"، مشيرا الى "اننا قد نكون اليومَ في صلب المُعاناة من وضع كهذا الوضع، لأنَّ عمل المؤسَّساتِ في زمننا الرَّاهن وتداول السُّلطةِ قد باتا متعذِّرَين أو أنَّهما يحتاجان إلى ولادات عسيرة كولادة الحكومة الجديدة الَّتي استغرق تأليفها نيِّفًا وعشرة أشهر ذهبَت هدرًا على البلاد وعلى مصالحها الكبرى".
ورأى مطر "إنَّها هواجسٌ تبلبل الأفكار لجهة مستقبلِ البلاد وسَيْرِ حياتها الطَّبيعيَّة؛ وهي تكبر اليوم إلى حدِّ وضع الوحدة اللبنانيَّة والكيان اللبنانيِّ نفسه في موضع السُّؤال، لذلك وفي غمرة قلق اللبنانيِّين على المصير تضع المذكَّرة كلاًّ منهم أمام ضرورة حياد وطنهم بالنِّسبة إلى المحاور والصِّراعات القائمة في المنطقة، لا ليتنصَّلَ الوطنُ من مسؤوليَّاته في القضايا العادلة الكبرى، بل ليعود إلى ذاته ويُحافظ على دعوته وعلى خصوصيَّاته في محيطه والعالم".
واوضح مطر ان "المذكرة تدعو لتثبيت الدولة وتوطيد مُنجزاتها، وذلك لن يتمَّ إلاَّ عبرَ التَّمسُّك بمصلحة البلاد العليا وتأكيد الميثاق الوطنيِّ كأساس لعيشنا المشترك الواحد والعودة إلى الحوار الوطنيِّ الَّذي يضع مجمل الأمور في نصابها، فيسلم الوطن ويقوم برسالته في محيطه العربيِّ، دون الانحياز إلى طرف من أطرافه المتصارعة بلْ عبر كلِّ خدمةٍ يمكن أن يؤدِّيها للتَّقارب والمصالحة فيما بينها".
وختم بالقول: "إن المذكرة تخلص إلى وضع خطَّةِ عملٍ أو خارطةِ طريقٍ للسَّنوات الستِّ القادمة لعلَّ رئيسَ الجمهوريَّة الجديدَ يسعى إلى وضعها مع الحكومات المقبلة أيضًا في موضع التَّنفيذ. فتحدِّد المذكَّرة لذلك أولويَّاتٍ يجب تنفيذها تباعًا ومن دون استثناء، ومنها استكمال سلطة الدَّولة وبسطها على كامل أرضها، وسنُّ قانونٍ انتخابيٍّ جديدٍ يضعُ الحياة السِّياسيَّة والمؤسَّساتيَّة في دربها الصَّحيح وإقرار اللاَّمركزيَّة الموسَّعة واستكمال تطبيق الطائف وتطويره والاهتمام بالشَّباب وبوضع المرأة وتحفيز المواطن على ممارسة دَورِهِ في الحياة العامَّة، كلُّ ذلك وصولاً إلى تعزيز إسهام لبنان في تقدُّم العالم العربيِّ حقوقيًّا وديمقراطيًّا."
كما تحدث خلال الندوة مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبده أبو كسم الذي اكد ان "مذكرة بكركي هي نتيجة المشاورات والمداولات واللقاءات التي كانت تجري في الصرح البطريركي في بكركي وهي نتيجة ما يقوله كل الأفرقاء اللبنانيين في مجالسهم الخاصة مع البطريرك وفي مواقفهم المعلنة، هي مذكرة نابعة من إيمان بكركي في تعزيز ديمقراطية التشاور، وهي تناولت كل القضايا اللبنانية مع الهواجس الوطنية في سبيل بناء دولة المؤسسات على أساس الميثاق الوطني الذي ارتضاه اللبنانيون نهجاً للعيش معاً وعلى أساس الكفاءات اللبنانية لا المحسوبيات الضيقة، ونحن على مشارف المئوية الأولى لإعلان استقلال لبنان الكبير". وختم بالقول: "هذه المذكرة تصلح لأن تكون خارطة طريق، نفصّلها نناقشها مع كل المخلصين والطيبين في هذا الوطن، وذلك في سبيل بناء مستقبل واعد لبلدنا الحبيب لبنان".
ثم تحدث الوزير السابق روجيه ديب عن الثوابت الوطنية مشيرا الى ان "المذكرة اعطت الوحدة للجماعة المسيحية وأعطت قوة ودفع مهمة للتعايش والتقارب الإسلامي المسيحي، كما ساهمت في خلق الجو المؤاتي لتشكيل الحكومة في الأمس وإن شاء الله في انتخاب رئيس جديد للجمهورية غداً".
ثم تحدث النقيب انطوان قليموس عن الهواجس الوطنية متمنيا "على كل من أيّد وثمّن هذه المذكرة، تجسيد قوله فعلاً وانخراطاً في المشروع الخلاصي للوطن".
واختتمت الندوة بكلمة لنقيب الاطباء البروفسورأنطوان البستاني فلفت الى ان بكركي "تؤكد في مذكرتها التمسك بأساسية الميثاق والدستور بتكامل انساني بنّـاء وتفاعل فكري وثقافي منتج وإغناء متبادل، والتزام بجوهر الصيغة وبهوية وطنية جامعة خارج منطق الاعداد تقفل باب الاستقواء بالخارج والتفرّد في الداخل".