دأبت بعض القيادات اللبنانية، الحزبية والسياسية، منذ الانتداب الفرنسي على لبنان، والذي اعتبره البعض وما زال ولادة وتحريراً لهذا البلد، على إطلاق شعارات ثلاثية يُعنونون بها رؤيتهم الشاملة للوطن.. ولماذا ثلاثية؟ ربما لوقعها في النفوس حين تهتف بها الجموع التابعة، إذ إنها تخترق السمع إلى الصدور والقلوب، دون مس الأدمغة، متجاوزة الحاجة إلى الشرح والتبرير..

هي سريعة وحاسمة كطلقات مسدس: "الله، الوطن، العائلة"، أطلقها بيار الجميل عندما أنشأ "الفالانجيست"، تيمّناً بكتائب "فرانكو"، "الكيان، النظام، الدستور"؛ الأقانيم الثلاثة المقدسة التي أطلقها أرباب النظام منذ رحيل المستعمر الفرنسي، تخليداً لتراثه السياسي في لبنان.

"الجيش، الشعب، المقاومة"، الثلاثية التي أطلقتها المقاومة للتصالح مع معظم أهل النظام وأصحابه الثابتين على إيمانهم بأن "قوة لبنان في ضعفه"، وبأن لبنان "إذا استقل يهتز، وإذا استُتبع يعتز"، حسب قول أحد عباقرته؛ إدوار حنين، انسجاماً مع التراث اللبناني المنقوش على صخور نهر الكلب.

وفي أواخر أيام خريف عهده، وبعد أن ملّ من السياحة في ربوع العالم الواسعة "لرفع اسم لبنان عالياً"، رغب فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان تخليد ذكراه بإعلان مبادئ وشعارات تبقى من بعده منارة للبنانيين، وترشدهم إلى سواء السبيل في الأيام العاصفة، فأطلق "إعلان بعبدا" الذي أصبح من الثوابت، حسب قوله، وأطلق أيضاً "الثلاثية الذهبية الدائمة للوطن، لربط ماضيه بمستقبله"، وهذه الثلاثية الذهبية هي "الأرض، الشعب، القيم المشتركة".

إذا ما تجاوزنا قضية "الشعب" في هذه الثلاثية، والذي يتمرغ بالفقر والجوع والبطالة، ويتطلع إلى الهروب من لبنان لأي منطقة في العالم، ولو إلى بلاد الماو ماو، طلباً للأمن ولقمة العيش، وإذا تجاوزنا شعار "القيم المشتركة" بين اللبنانيين، وهي ليست قليلة، مثل التعصب الطائفي وكره الآخر والتخوّف منه، وعبادة المال وانتشار الفساد، والتبعية العمياء للزعماء، والاستعلاء العنصري تجاه فقراء العرب، خصوصاً السوريين والفلسطينيين منهم.. إذا ما تجاوزنا كل ذلك لنلقي نظرة سريعة على قضية "الأرض" في هذه الثلاثية، فإن الخبثاء أو سيئي الظن سيعتقدون أن شعار "الأرض" يعني الدفاع عن الوطن، وأن من حق كل لبناني ولبنانية بل من واجبهم حمل السلاح للذود عن أرض الوطن؛ من الناقورة إلى العبدة، وهذا التفسير غير البريء لشعار يجعل من رئيس الجمهورية، والعياذ بالله، مناصراً للمقاومة وفريقاً في الجدل الدائم وغير الهادئ حول حق الشعب في مقاومة المحتل بالسلاح، بدل "المقاومة الحضارية" في أروقة مؤسسات النظام الدولي، مثل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، أو اللجوء إلى كؤوس الشاي أو سكب الدموع لتحرير الأرض، كما فعل الرئيس السنيورة عندما أوقفت دموعه عدوان تموز 2006، فشعار "الأرض" يعني، كما قال فخامة الرئيس "حماية الأرض من التشويه والسطو على الأملاك العامة والعبث بالتراث وعشوائية العمران.. والتوازن البيئي والإيكولوجي"، لا استعادة الأرض وتحرير تلال كفرشوبا ومزارع شبعا والقرى السبع من المغتصبين.