بضعة دقائق أمام شباك قلم النفوس في طرابلس، أكثر من كافية لإدراك حجم المعاناة التي يتكبّدها الطرابلسيون. الازدحام هو الروتين اليومي، أما وقت الذروة فهو أمر كارثي. المعاناة لا تقتصر على جانب واحد. خلف الشباك هناك معاناة إضافية يتكبدها موظفو القلم بفعل الضغط الكبير عليهم.

يوضح رئيس رابطة مختاري طرابلس ربيع مراد أن قلم نفوس طرابلس يعاني، وفق دراسة أعدّها عن «حاجات قلم نفوس طرابلس» من 3 إشكاليات، هي: المكان، عدد الموظفين والسجلات والوثائق. بالنسبة إلى الإشكالية الأولى، يشير مراد إلى أن «المكان الحالي، من حيث مساحته، أصبح لا يتسع لاستيعاب السجلات والوثائق والموظفين»، ويقترح «نقل القلم إلى مكتب البريد القديم في الطابق الأرضي من سراي طرابلس، حيث المساحة أكبر، وقد وضعت الخرائط، لكن المسؤولية ضاعت بين دائرة المباني في وزارة الأشغال والمحافظة».

وأشار مراد إلى أنه «سواء جرت عملية النقل أو بقي القلم مكانه، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار تجهيز المكان وتأهيله بشكل لائق، لجهة التدفئة والتبريد والتهوئة، والتجهيزات اللازمة والإنارة والهاتف وشبكة الإنترنت، مع تجهيز القلم بأجهزة كومبيوتر وآلة تصوير وطابعة، وتجهيز غرفة للأرشيف ولحفظ الوثائق لحمايتها من التلف وعوامل الزمن».

أما الإشكالية الثانية، أي قلّة عدد الموظفين، فهي أزمة حادّة. «العدد الحالي للموظفين العاملين في قلم نفوس طرابلس يبلغ حالياً 10 موظفين، وفي الأشهر المقبلة هذا العام سيُحال على التقاعد اثنان منهم، ما سيتسبّب بأزمة حادة، كون الكادر الموجود حالياً لا يستطيع تلبية طلبات المواطنين» يقول مراد. ويذكر أن «العدد المخصّص لقلم نفوس طرابلس، وفق مرسوم تنظيم ملاك وزارة الداخلية والبلديات المنشور في العدد 50 من الجريدة الرسمية في 2 /11 / 2000، يبلغ 18 موظفاً من الفئة الرابعة، إضافة إلى موظفين (سائق وحاجب) فئة خامسة».

هذا النقص دفع مراد إلى مطالبة الجهات المعنية «بملء الشواغر إما عن طريق مجلس الخدمة المدنية، أو عن طريق التعاقد، أو عبر الاستعانة بفائض الموظفين لدى الوزارات الأخرى، أو التعاقد بالفاتورة مع موظفين جدد أو متقاعدين، أو أي طريقة أخرى، لأن الوضع الحالي لا يحتمل التأجيل بسبب النقص الحاصل، كونه يتسبب بعرقلة معاملات الطرابلسيين وتأخير أعمالهم والإضرار بمصالحهم».

وفي ما خص الإشكالية الثالثة، أي السجّلات والوثائق، فهي في حالة «يرثى لها، وبحاجة إلى ترميمها وإعادة استنساخها وحفظ الوثائق وتصويرها، وقد تبيّن أن هناك مشروعاً يُعنى بترميم وثائق المديرية العامة للأحوال الشخصية وإخضاعها لتقنيات الميكروغرافيكس لصالح المديرية العامة للأحوال الشخصية التابعة لوزارة الداخلية والبلديات، وهو مشروع مموّل من الصندوق العربي وكان من المفروض البدء بتنفيذه في 30 /11 / 2013، ولأغراض هذا المشروع جرى اختيار 10 أقلام نفوس من أصل 47 قلماً لتمثّل نطاق المشروع، منها قلمان شماليان هما قلما نفوس طرابلس وحلبا، لكن ظروف البلد واستقالة الحكومة، وعدم حضور مندوب وزارة الداخلية جلسة تقييم العروض في 15 / 10 / 2013 لاختيار العرض الأفضل، أدى إلى تأجيل مراحل العمل به» وفق مراد.

سجلات قلم نفوس طرابلس الموجودة في 150 مجلداً مهترئة. لا يمكن توصيف وضعها بأقل من «عدم شرعي». لذلك، هناك «حاجة للترميم والتجليد وإعادة تكوين بعضها، وكلها بحاجة لعملية استنساخ، وأصحابها يعانون من أجل الحصول على إخراجات قيد، ومن الصعب إعطائهم إياها إلا من خلال امتلاكهم إخراجات قيد قديمة، وبقية المجلدات ستلقى المصير نفسه إذا لم تُنقذ سريعاً، ولأن الوضع يزداد سوءاً مع مرور الأيام».

وأوضح مراد أن «الوثائق كافة في قلم نفوس طرابلس، من 1982 إلى اليوم، لم تصوّر بوساطة الميكروفيلم بحسب القانون لحفظها (صورت فقط بين عامي 1960 و1982)، ما يمثّل خطراً كبيراً على هوية الطرابلسيين في حال حصول كارثة ما أو اندلاع حريق».

ولتلافي المصير الصعب الذي ينتظر قلم نفوس طرابلس حيث تتكدس الأوراق والمجلدات فوق بعضها إلى حدّ أنّه لم يعد يتسع للمزيد، قدم مراد بعض الاقتراحات لعملية الاستنساخ بعد الترميم والتجليد، من أجل معالجة الوضع المزري فيه؛ أبرزها، الاستعانة ببعض الموظفين الحاليين خارج الدوام الرسمي، وكذلك الاستعانة ببعض الموظفين السابقين الذين لديهم مؤهلات مطلوبة وببعض المخاتير، وتأمين اللوازم كافة من قرطاسية ومجلدات وسواها، وزيادة عدد المجلدات ومضاعفة عددها، و«يجب أن تراعي عملية الاستنساخ تسجيل الوقوعات الخاصة بالعائلة الواحدة، بشكل متسلسل ومتتابع، كما يجب ترك صفحات فارغة لتستوعب زيادة الوقوعات للسنين المقبلة».