بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز (وَوَصَّيْنَا الأنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)

من يفهم معنى الأبوّة والأمومة حتماً سيدرك المعنى الذي قرره الله سبحانه وتعالى للوالدين، فكما أن الله تعالى أثبت الشكر لنفسه، فقد قرنه أيضاً للوالدين، لأن أباك أيها الإنسان هو أصلك، ولأن أمك هي لحمك ودمك.

من هنا فرض الله عليك أن تشكرهما، والشكر يعني حسن العشرة والوصل والعون والطاعة والرعاية ومتابعة شؤونهما بسعة ما فرض الله تعالى في قوله (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، أي أنه جلّ وعلا فرض وأبرم عليك ضرورة الإحسان لوالديك، إحسان قلب، بما تعنيه المودة والمحبة، والانقياد الفعلي لخدمتهما، فلا تأكل لذيذاً وتحرمهما، أو تستأنس بعائلتك وهما مستوحشان، أو تضطرب لشأن ولدك وتتناسى أصلك، فإن الله قرن رزقك برضاهما، ودلّك على باب الرحمة من بابهما، فمن تنكر لوالديه فقد غلق باب السماء عليه، ومن نفر منهما فقد أساء صحبة الأمانة، وخان أمر الله، ومن شبع وهما جوعى فقد عاند الله وخاصمه.

على أن أعظم وأرقى ما خصّ الله به الأم في يومها، وكل يوم هو أمّ وأب، بعد كلام الله كلام رسوله (ص) وليس ما اصطنعه الناس، هو ما عناه الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن جدّه عن الله تعالى من حق الأم على ولدها، بأن تعلم أنها حملته حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطته من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووقته بجميع جوارحها ولم تبال أن تجوع وتطعمه، وتعطش وتسقيه، وتعرى وتكسوه، وتهجر النوم لأجله، وقد وقته الحر والبرد ليكون لها، فإنه لا يطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.

فبادروا أيها الإخوة إلى الله تعالى من باب بر الوالدين، والأنس بهما، وحسن عشرتهما، والإحسان إليهما، فوالله ما فتح الله باباً للولد أشرف من بر الوالدين، بادروا إلى الله قبل أن تغلّق الأبواب، واعلموا أن الله قرن نفسه بهما، وافترض شكره وشكرهما، ولم يفعل ذلك عبثاً، بل افترضه ديناً يدان به، وباباً عليه، وسبيلاً للنجاة، ومنزلة، هي المنزلة يوم القيامة الأعظم، وفي المتون الشريفة أن بعضاً من الذنوب لا يمحى إلا ببر الوالدين، وأن بعضاً من الحسنات لا تكتسب إلا ببرهما، فسارعوا إلى رحمة الله التي استودعكم إياها، فإن المهلة ربما تصرمت، أو انقضت، وتلك أعظم معاني الخسران.