دخلت الأزمة السورية عامها الرابع، على متغيّرات جديدة في الوضع العسكري والميداني للنظام وللمعارضة على حدٍ سواء لم يكن يتوقعها أحسن المحللين وأكثر المتفائلين من هذا الفريق أو ذاك. فمعارك القلمون الأخيرة التي كان الحسم فيها للنظام فتحت طريق الشام-الساحل مروراً بحمص، فيما قامت المعارضة بالتوغل في ريف اللاذقية (المنطقة التي تعتبر حديقة النظام الخلفية) وذلك بعد حسم الجيش السوري وحلفائه معركة يبرود، لترسل بذلك رسالة واضحة مفادها أن حسم المعركة في منطقةٍ ما لا يعني إنهاء الحرب، بل يفتح آفاقا لمعارك أخرى ولإدخال مناطق ومدن جديدة إلى خريطة الحرب والدمار العبثية التي تدور رحاها منذ أن قدم إلينا "الربيع العربي"، أو ما اصطلح على تسميته بذلك.

ولتقييم الوضع الميداني بشكل عام؛ لا بد من البدء من العاصمة دمشق، حيث حافظ النظام على الأمن والإستقرار بشكلٍ غير متوقع نسبياً في بلد يشهد حرباً ضروس لا يوجد فيها خطوط حمراء، ما خلا بعض التفجيرات التي طالت بعض المراكز الأمنية، ولعل أشهرها كان إنفجار كفر سوسة. كذلك تعرضت أحياء العاصمة السورية لقذائف الهاون والمدفعية من قبل مجموعات المعارضة المسلحة التي تتمركز في الغوطتين الشرقية والغربية.

وقد كان للسيطرة على القصير الأثر الأبرز في تغيير دفة الحرب لصالح النظام، إذ كانت بوابة عبور المعارضة السورية وخط الامداد من حمص إلى القلمون وصولاً إلى الغوطة الغربية، فسقوطها مهّد لفتح طريق دمشق حمص الساحل السوري، كذلك مهد لسقوط القلمون في قبضة النظام من جديد. وأما اليوم قد بدأ التفرغ لحسم الغوطتين الشرقية والغربية بعد أن بات الحديث عمّا تبقى من القلمون بحكم المنجز لصالح الجيش السوري.

في هذا السياق، أكدت مصادر لـ"النشرة" بان "الجيش السوري وحزب الله قاما بمحاصرة بلدة فليطا من عدة جهات وإغلاق بعض مداخلها، بالتزامن مع قصف عمقها بصواريخ البركان ومدافع الميدان والتقدم من الجهة الشمالية الشرقية للبلدة بهدف تضييق الخناق على المسلحين بداخلها"، مرجحة احتمال تحريرها في ساعات كما حصل في يبرود.

وقد استبعدت مصادر لـ"النشرة" ان تبدأ معركة حلب، متوقعة أن يتمّ التوجه نحو محافظة درعا بعد الانتهاء من العملية القائمة في الغوطتين الشرقية والغربية، مشيرة إلى أنّ "معركة حلب ستكون آخر المعارك التي قد يخوضها الجيش السوري النظامي وذلك لأنّ هذه المنطقة تشهد استنزافا لقوة الجماعات المسلحة، التي تتصارع فيما بينها".

ومن هنا، فقد يتبيّن أن الجيش السوري عمل على إعادة المناطق من المعارضة السورية عبر سياسة القضم البطيء في حربٍ استثنائية لهذه الدرجة وقاسية وغير محددة المعالم، وخصوصًا أنه استفاد من تناحر المجموعات المسلّحة الموجودة في الداخل السوري من كتائب إسلامية وجيش حر وجبهة النصرة وداعش. إضافة الى دخول دول اقليمية على خط الأزمة السورية وهذا تحديدا ما حصل منذ عدة أيام على الحدود السورية التركية من تدخل مباشر في محاولة لانقاذ سياسة رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان والاستفادة وتجييره في حلّ مشاكله الداخلية، ناهيك عن الدور الاسرائيلي الّذي لا يقل أهمية عن الدور التركي في الحرب السورية ولعل الغارات الاسرائيلية التي استهدفت الأراضي السورية خير دليل على كمّيات الرسائل الحربيّة التي تحمل دعمًا للجماعات المعارضة.

ومن هنا فإنّ الميدان السوري الذي شهد تحولات كبيرة أدّى إلى تثبيت الرئيس السوري بشار الاسد كمعادلة صعبة في المنطقة على الرغم من اهتزاز صورته، جعل دول العالم التي كانت تعد لهذا النظام ايامه تسعى لفتح قنوات التواصل معه... كما أنّ القمة العربية في الكويت، اثبتت بان النظام السوري رغم غيابه عنها، كان الحاضر الابرز في ظل تبدل المواقف، والتي كانت اولى بوادره عودة العلم السوري وشغور الكرسي من أي ممثل على خلاف ما حصل في قمة الدوحة. وبالتالي فان هذه التطورات كرست مستقبلا جديدا لدول المنطقة لن يكون الرئيس السوري بشار الاسد خارجها، لا بل ان المتغيرات جعلت منه ركنا اساسيا في المنطقة لا يمكن الا ان يكون ضمن أيّ معادلة جديدة، في ظل الانتخابات التي ستشهدها سوريا في الأشهر المقبلة.