جزءٌ من البيان الذي صدر عن اللقاء التشاوري في صرح بكركي، الذي دعا اليه الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، استخدمت فيه التعابير في ما خصَّ الإستحقاق الرئاسي وموعد إنجازه:

الإسراع في إجراء الدورة الأولى من الانتخابات في أقرب وقت ممكن وقد ابتدأت المهلة الدستورية، إفساحًا في المجال لعملية انتخابية ديمقراطية، دون المخاطرة بانقضاء هذه المهلة دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

من ناحية اخرى، في كلمة السيد حسن نصرالله ورد فيها:

نحن من أكثر الناس الحريصين على حصول الانتخابات الرئاسية في موعدها لا بل في أقرب وقت ممكن من أجل التأسيس لمرحلة مقبلة.

فهل تكر السبحة بما يُشكِّل عامل حثّ على رئيس مجلس النواب نبيه بري، لتوجيه الدعوة الى عقد جلسة لانتخاب الرئيس، وتوقيف عمل لجنة التشاور.

سيّد بكركي متوجِّس من التسويات، لذا ورد في البيان: التأكيد على آلية تضمن حصول انتخاب رئيس وفق الاصول وتمنع فرض تسويات لا تتوافق مع السعي الى تحقيق المشاركة الوطنية الميثاقية الفعلية..

إذًا هاجس فرض التسويات ما زال قائمًا، وهو المصطلح المخفف ل هبوط الوحي، فكيف سيتم التوفيق بين ما تنشده بكركي وبين سَعْيٍ ما لفرض الوحي؟

مع التركيز الكلّي على ما يقوم به الكاردينال الراعي، ثمّة اهتمام يجب أن يتركَّز على ما يدور في عين التينة، فالرئيس نبيه بري، وبحسب مصادر مقرّبة من دولته، يرى ان المهلة الدستورية ما زالت في أولها وانّ لديه متسعاً من الوقت لتحديد موعد الجلسة الاولى.

يرى مراقبون ان هناك محاولة لتمرير شهر نيسان من دون إجراء الانتخابات، فالنصف الاول منه سيتم إغراقه بالجلسة التشريعية وباستكمال عمل لجنة التشاور، فيما النصف الآخر من الشهر سيكون لأعياد الفصح، هكذا يطير الشهر ولا يتبقًّى من الشهر المقبل سوى خمسة عشر يوماً.

السوابق السياسية اللبنانية توحي بأن هناك انتظارًا ما من الخارج.

فمن موقع الشفافية المطلقة، ما هي وجهة الإنتظار؟ هل هي واشنطن أو الرياض او دمشق أو الفاتيكان؟

بالنسبة إلى واشنطن والرياض فإن الفرصة كان يمكن ان تتحقق اثناء إنعقاد القمة بين الرئيس اوباما والملك عبدالله، لكن كل المعلومات التي وردت عن القمة لم تٌشِر إلى أن لبنان كان حاضرًا في المحادثات التي تركَّزت على المصالح الاستراتيجية بين البلدين وفي مقدمها النفط وإيران والسلام في الشرق الاوسط ومسار الحرب السورية، وتطورات العملية السياسية في مصر.

أكثر من ذلك، حاولت واشنطن طلب خفض سعر النفط للضغط على روسيا في صراعها مع القرم.

تأتي هذه التطورات في وقت تشهد المنطقة إعادة خلط اوراق بإحياء محور الاعتدال الذي يمكن أن يضم السعودية والامارات والبحرين والاردن ومصر وبعض دول المغرب العربي، ففي ظل هذه التحولات، أين يقع لبنان؟

هذا ما يجعل الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قلقاً من أن يُصبح لبنان بلداً منسياً على خارطة التحولات، لذا فإن صاحب الغبطة يسعى إلى مواجهة النسيان من خلال تنشيط ذاكرة المعنيين، وقد شكّلت الوثيقة الوطنية ثم لقاء التشاور، وما مرَّ بينهما من جهود بقيت بعيدة من الأضواء، قوّة دفع في إتجاه الإستحقاق الرئاسي.