من الطبيعي أن يهتم العالم بزيارة يقوم بها الرئيس الأميركي إلى المملكة السعودية، ليس فقط لأنه رئيس الدولة العظمى الذي تثير زيارته أي بلد المتابعة والاهتمام، بل لأن العلاقة بين واشنطن والرياض ليست على ما يرام، وزيارة الرئيس الأميركي هي لاسترضاء المملكة الغاضبة من السياسات الأميركية، كما عبّر عن ذلك الكثير من الكُتّاب والمسؤولين السعوديين في مناسبات عدة؛ تصريحاً وتلميحاً.

لماذا الغضب السعودي من أوباما؟

اتخذت الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية قرارين استراتيجييْن أثارا غضب المسؤولين السعوديين وقلقهم، ما جعل أوباما يأتي إلى المملكة لاسترضائها، وللتأكيد على استمرار التحالف الاستراتيجي.

القرار الأول الذي اتخذه الرئيس الأميركي هو التراجع عن الضربة العسكرية لسورية. لقد اعتقد المسؤولون السعوديون أن ضرب سورية وإسقاط النظام بات وشيكاً بعد انتظار دام ثلاث سنوات، وأن الولايات المتحدة اقتنعت أخيراً بضرورة الفعل العسكري، وأن أهداف المملكة ستتحقق وسيسقط نظام الرئيس الأسد، لكن تراجع الولايات المتحدة عن هذا القرار أحبط المملكة وأثار غضبها، لأن هذا التراجع، دون التشاور مع المملكة، غيّر كل الحسابات والرهانات، وأعاد الأمور إلى نقطة الصفر في مشروع إسقاط النظام السوري.

القرار الاستراتيجي الثاني الذي اتخذه أوباما، ومن دون التشاور مع المملكة، هو الحوار مع إيران حول برنامجها النووي والتوصّل إلى اتفاق مبدئي حول هذا البرنامج، والاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم، على أن يبدأ رفع العقوبات تدريجاً عن إيران..

لقد شعرت المملكة أن الولايات المتحدة تسير في عكس اتجاه المصالح السعودية التي كانت تعتمد على الحصار الأميركي لإيران، وعلى التهديد العسكري لها من "إسرائيل" والولايات المتحدة، وقد جاء الاتفاق النووي ليستبعد ذلك كله، لذا اعتبر المسؤولون السعوديون أن الرئيس الأميركي لا يقيم لتحالفهم أي وزن، ولا يهتم لرأيهم في قضايا تمسّ مصالحهم الاستراتيجية..

جاء الرئيس الأميركي إلى المملكة ليقول إن التحالف الاستراتيجي ما يزال قائماً، وهذا حقيقي وواقعي، ولم يشك أحد لا في المملكة ولا خارجها أن هذا التحالف قد تبدّل، أو أنه قد استُبدل بتحالف آخر.. ولكن كيف سيغيّر الرئيس الأميركي القراريْن اللذين اتخذهما تجاه سورية وإيران لترضى المملكة؟

بالنسبة إلى سورية، قرّر الرئيس الأميركي دعم المعارضة المعتدلة بالسلاح، وهذا يعني عودة إلى النغمة القديمة في التعاطي مع الأزمة في سورية، وبالنسبة إلى إيران، وعد أوباما بأنه "لن يقبل باتفاق سيئ مع إيران"، هكذا حلت المشكلة ورضيت المملكة، لكن هذا يعني في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة باتت أكثر ابتعاداً عن منطق التسوية والحل السياسي في سورية، خصوصاً بعد اشتباكها مع الروس في أوكرانيا، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستحاول عرقلة أو تأخير الاتفاق النووي مع إيران، كما ستحاول ربطه بملفات أخرى عالقة بين البلدين..

لقد رضيت المملكة.. وسيستمرّ التحالف الاستراتيجي بين البلدين لتأخير التسويات والحلول لأزمات المنطقة..