على رغم كلّ ما قاله بحق قتال "حزب الله" في سوريا، وما شاب علاقتهما في المرحلة الماضية من توتر وسجالات إعلامية، يتأكد يوماً بعد يوم أن رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب ​وليد جنبلاط​ إختار الإستقرار عنواناً ثابتاً لعلاقته مع "حزب الله" بعدما تأكد أن خيارات الأخير أصابت بغالبيتها الساحقة.

نقاط التلاقي الداخلية بين "المختاره" و"الضاحية" كثيرة، وتنطلق بحسب المصادر المطلعة من ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي أولاً، لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة التي يعيشها لبنان، مروراً بالتعايش داخل الحكومة الجامعة التي يعتبر الفريقان أنها تستطيع بتمثيلها الواسع أن تواجه المخاطر المحدقة بلبنان، وهذا ما يحصل، وصولاً الى السعي لإخراج لبنان من حال المراوحة لا سيما على صعيد المؤسسات وعملها وعلى رأسها مجلس النواب الذي عاش مرحلة من التعطيل السياسي شلت خلالها المؤسسات. هناك أيضاً من يقول إن "العلاقة بين حزب الله والزعيم الدرزي جيدة جداً، فالتواصل مستمر وأثمر خلال الأشهر القليلة الماضية تطوراً لافتاً حين طلب جنبلاط عقد لقاء بين مشايخ الحزبين للتنسيق والتعاون".

من ناحية أخرى، الضاحية الجنوبية مطمئنة الى توجهات "البيك" مستقبلياً، فهو الذي لم يؤيد تشكيل حكومة لا تضم ممثلين عن "حزب الله". ووفق مصادر "حزب الله" العلاقة مع جنبلاط في عزها اليوم، وما يثبت هذا الإطمئنان أكثر لدى شارع الحزب وجماهيره، هو أن جنبلاط إختار هذا التموضع عن قناعة. وفي هذا الإطار تقول أوساط الحزب "إن وليد بيك لم يختر توجهاته عبثاً، هو لا يشتري السمك في الماء، فالرجل يقرأ جيداً في الوضع الإقليمي ليحدد خياراته. وبما أنه تأكد من مصادر دولية رفيعة المستوى، من أن واقع الميدان في بلاد الشام يصب في مصلحة الجيش السوري الذي يتقدم يوماً بعد يوم مدعوماً من "حزب الله"، ولا سيما بعد انتصارات يبرود وفليطا ورنكوس المتتالية، قرر الإبتعاد عن مواقفه ومواقعه السابقة ليفتح صفحة جديدة مع الحزب وقد تليها في المرحلة المقبلة صفحة جديدة أخرى مع النظام عندما يتأكد جنبلاط من أن الرئيس السوري بشار الأسد باقٍ في موقعه".

في الضفة المقابلة، ليس من الصعب على من يرصد خطوات رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" ويتابع مواقفه أن يلمس تباعداً في السياسة بينه وبين قوى الرابع عشر من آذار لا سيما تيار "المستقبل". وليس من الصعب أبداً على المتابعين ايضاً أن يشعروا بأن القوى الآذارية منزعجة جداً من سلوك الزعيم الدرزي، وبدأت تترجم هذا الإنزعاج في الوسائل الإعلامية القريبة منها إنتقادات صريحة وواضحة لمواقفه. السبب الرئيس الذي يقف وراء هذه الحملات الآذارية يعود الى تبني بيك المختاره طرح الحكومة الجامعة. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه هذا الفريق ان تنسحب إنتقادات جنبلاط لقتال "حزب الله" في سوريا على عملية تشكيل الحكومة من خلال رفضه مشاركة الحزب فيها، فاجأ رئيس "جبهة النضال" الآذاريين عندما بقي على موقفه من القتال في سوريا من دون ان يرفض إعطاء الحزب أي حصة وزارية، لا بل أيّد ذلك الطرح.

على رغم هذا التقارب بين الضاحية والمختارة، يعرف "البيك" كيف يحافظ على خطوط التواصل مع تيار "المستقبل" وقيادته، واضعاً نصب أعينه دائماً الإنتخابات النيابية في الشوف، والتي من المستحيل أن يخوضها إذا كانت الجرة مكسورة مع التيار الأزرق.