كان انتقالُ الرئيس سعد الحريري من الرياض إلى باريس من أجل هدفين:

- الأول لقاء الوزير جبران باسيل موفداً من العماد عون، فاللقاء استُحسِن أن لا ينعقد في السعودية لئلا يُحمَّل أبعاداً ليست له خصوصاً لجهة موقف المملكة من الإستحقاق الرئاسي، وهي التي تحرص على التأكيد أنَّها تقف على مسافةٍ واحدة من جميع المرشَّحين.

- أما الهدفُ الثاني فللقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، فكان لقاء ساعة رئاسية الذي ما لبث أن خرج بعض مداولاته إلى العلن من أجل طمأنة اللبنانيين عموماً والمتتبِّعين في شكلٍ خاص، خصوصاً أنَّ المرجعين الوطنيين يتمتعان بجرأة الصراحة والشفافية والصدق، خاصةً في كلِّ ما يتعلَّق بالإستحقاقات الوطنية.

فخلال اللقاء كان تأكيدٌ على الرفض المطلق لحصول الفراغ في منصب الرئاسة الأولى، وعلى ضرورة تضافر الجهود المطلوبة بين جميع اللبنانيين لإجراء الإستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري.

في هذا المجال كان الكاردينال الراعي حاسماً في موقفه، إذ اعتبر أنَّه إذا كان صحيحاً ما تؤكده كل القوى السياسية من رفضها للفراغ وحرصها على إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، فهذا يعني أن يُنجَزَ الإستحقاقُ الرئاسيّ، وأنَّه بإمكان لبنان واللبنانيين تفادي الوقوع بالفراغ.

لم يكتفِ البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بهذا الموقف، بل رفع الصوت عالياً منبِّهاً أنَّه ضد الفراغ ومستغرباً كيف يسمح البعض لنفسه بالتكلم عن الفراغ. فالفراغ جرمٌ وطنيٌّ كبير بحقِّ لبنان وسنعمل بكلِّ جهدنا لتجنّبه لأنَّ الدولة بلا رئيس كالجسم بلا رأس. فلا يحقُّ للنائب الغياب عن جلسات الإنتخاب لأنَّ حضورَهُ واجبٌ وطنيّ ودستوري وضميري، بحكم وكالة الشعب له.

الإصرار عينه صدر عن الرئيس سعد الحريري الذي يعتبر أنَّ إنجازَ الإستحقاق الرئاسي هو مهمةٌ وطنية بمقدار ما هو واجبٌ دستوري، لذا فهو يؤكِّد أمام كلِّ مَن يلتقيهم أنَّه لا بدَّ من إنجاز الإستحقاق لأنَّه من المهام المقدَّسة التي لا تحتمل أيَّ إهمالٍ أو إبطاء أو إرجاء.

حين يقول الزعيم الشاب هذا الكلام فهو صادقٌ في ترجمته، فالقاصي والداني يعرف أنَّ الرئيس الحريري هو من أصدق السياسيين اللبنانيين الذين يمكن وضع اليد بيدهم، ولقد أثبت على مدى الأعوام التي مارس فيها السياسة أنَّه لا يؤمن بالمناورات كوسيلةٍ من وسائل العمل السياسي، خاصةً وأنَّه عندما فاجأه ترشُّح سمير جعجع. الرئيس الحريري أخذ على عاتقه تماسك قوى 14 آذار ثمّ التصويت بالإجماع. هذا هو دولةُ الرئيس الذي يُعرَفُ بشرف السياسة معه.

***

ومن باريس إلى الرياض حيث أجندة مواعيد الرئيس سعد الحريري مليئة بطلبات الإجتماعات، ويأتي في مقدَّمها الإجتماعات مع السفير الأميركي في بيروت دايفيد هيل، الذي يزور المملكة للمزيد من التشاور حول الإستحقاق الرئاسي اللبناني.

هكذا، من الفاتيكان وروما إلى باريس والرياض وبيروت، حركةٌ لا تهدأ ولكنَّها تؤشِّرُ إلى جملةٍ من المعطيات، منها أنَّ الإستحقاقَ الرئاسي ربما لم ينضج بعد وأنَّه حسب فريق آذار مرتبط بشكلٍ أو بآخر بجملةٍ من الإستحقاقات الخارجية، لعلَّ من أبرزها الإنتخابات الرئاسية في سوريا والتي حُدِّد موعدُها في الثالث من حزيران المقبل أي بعد شهرٍ تماماً.

***

ولكن في غضون ذلك فإن الإنتظار لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية له، ففي المحصِّلة إذا لم يتمَّ التوصلُ إلى رئيس من 14 أو من 8 آذار فإنَّ الرئيسَ العتيدَ قد يكون من غير الفريقين، وليس سرّاً أنَّ غالبية الإستطلاعات التي أُجريت دلَّت على أنَّ الناسَ تريدُ الأمورَ التالية:

- الإنتخابات، رئيسٌ بتوافق الجميع

- عودةُ الحياة السياسية إلى طبيعتها لأنَّ هذه العودة هي مفتاح الإستقرار.

ولا يُخفى على أحد أنَّ موسمَ الصّيف تبدأ الإستعدادات له منذ اليوم، فالمغتربون والمصطافون يحسبون منذ اليوم أين ستكون وجهتهم، فإذا لم تحصل إنتخابات وإذا لم يحصل إستقرار فإنَّ موسماً صيفياً آخر يكون قد خسره لبنان، في وقتٍ يبدو في أمسِّ الحاجة إليه خصوصاً في الظروف الإقتصادية الصعبة التي يمرُّ فيها.

***

مع ذلك فإنَّ هناك مَن يُكابرون ومَن يستسلهون الأمور ويعتبرون، بكلِّ ثقة، أنَّ الإنتخابات لن تتمَّ قبل شهر تموز إذ أنَّهم يقيمون وزناً لتعقيدات الأزمة اللبنانية وإرتباطها بالإستحقاقات الاقليمية والخارجية.

فورقةُ الإستحقاقِ الرئاسيّ اللبنانيّ يريدون أن تكون على طاولة المفاوضات الأميركية الإيرانية، وهذا بنظرنا أكبر بكثير علينا من إختيار رئيس يجمع بين 14 و8 آذار مقبولٍ من الناس، وننهي العملية الرئاسية قبل بدء موسم الصيف لنَنْعَمَ بقليلٍ من السياحة الغائبة عنّا منذ سنوات.