مع إحراز الجيش السوري وحلفائه تقدماً ملموساً في الغوطة الشرقية وتحديداً في المليحة التي تشكل و شكلت عنصراَ امنياً ضاغطاً على العاصمة دمشق في الآونة الأخيرة بعد سقوط عدد من القذائف على أكثر من منطقة وموقع فيها ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى أبرزهم شهداء إحدى المدارس، انكشف المشهد السياسي اللبناني على مزيد من التحركات الدبلوماسية لا سيما الغربية منها تتقدمها الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عقب دورتين انتخابيتين لرئيس الجمهورية أفضت الأولى إلى سقوط المرشح خلالها سمير جعجع بالورقة البيضاء فيما لم تنعقد الثانية بسبب عدم اكتمال النصاب و ذلك مع اقتراب الموعد الدستوري من نهاية ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان في 25 أيار الجاري.

جولة الإتصالات التي أجراها السفير الأميركي في بيروت دافيد هايل حثت على ضرورة إجراء الإنتخابات الرئاسية وإيصال رئيس إلى قصر بعبدا قبل دخول البلاد في مرحلة شغور المنصب بسبب الخلافات الداخلية التي تعكس بكل أمانة صورة أزمة الخارج، على خلفية النزاع في المنطقة حول سورية ودورها المستقبلي لا سيما بين الممكلة السعودية وإيران. إلا أن هايل تلقى تعليمات واضحة من إدارته في واشنطن بضرورة عدم الوصول إلى فراغ في الرئاسة اللبناني تجنباً لتداعيات مرتقبة على هذا المستوى إذا ما حصلت الإنتخابات الرئاسية السورية وما يمكن أن يكون لها من تأثيرات على الموقع اللبناني الأول، وهذا ما أصبح متوقعاً بشكل كبير غربياً بعد تهاوي آخر معاقل الجماعات المسلحة في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ما يعني أن حراك الجيش السوري وعملياته باتت تمهد الأرض لإجراء الإنتخابات ربما في موعدها المحدد في 3 حزيران المقبل وهو ما أكدت عليه معلومات الإستخبارت الأميركية التي أشارت بسرعة انجاز الإستحقاق اللبناني قبل ذلك.

تحرك هايل هدف إلى نصح الأطراف اللبنانية بـ"تخفيف" الشروط أمام إنجاز الإستحقاق وهو توجه بهذه النصيحة إلى قوى 14 آذار التي لم تستطع إيصال مرشحها إلى سدة الرئاسة في دورتين متعاقبتين، ما يخدم سياسة قوى الممانعة الوطنية في تاجيل الإنتخابات الرئاسية إلى موعد قد يريدونه بعد الإنتخابات السورية التي سـتاتي بالرئيس الأسد لولاية جديدة - ودائما بحسب السفير الأميركي لحلفائه – وهو أطلعهم على أن تعليماته تقتضي بأن يغادر إلى السعودية للتنسيق مع القيادة هناك بعد التعديلات التي جرت فيها من أجل تليين موقفها في هذا الصدد علماً أن السفير الأميركي الذي طرح أسماء يعتقد هو وإدارته أنها ستلقى قبولاً لدى الفريقين اللبنانيين المختلفين (8 و14 آذار) لم يسقط أمام من التقاهم طرح اسم رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون كمرشح توافقي مقبول في اخر لائحته إذا ما تعذر التفاهم على اي اسم آخر.

وفي هذا السياق يعتقد الأميركيون أن "الجنرال" ما بعد الإنتخابات السورية سيكون "متماسكاً" حيال العلاقة مع الرئيس بشار الأسد لاعتبارات عديدة، أولها أنه سيسعى إلى الإبقاء على مسافة واحدة من الجميع منعاً لتكرار تجربة الرئيس إميل لحود في الحكم، علماً أن الملفات المطروحة لا تزال على حالها لا سيما لجهة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وسلاح المقاومة الذي دخل في تعقيدات أوسع بعد مشاركة حزب الله في القتال في سورية. وثانيها أن التفاهم بين الحزب والتيار قد يكون له تأثيره في ممارسة الضغوط لسحب مقاتلي الحزب من سورية – بحسب اعتقاد عون الذي يؤمن انه حاجة ضرورية للحزب - وإن يكن توقيت تأثير ذلك قد انقضى بفعل انجاز الرئاسة السورية وسيطرة القوات الحكومية، ولكن يأمل الأميركيون مع الإسرائيليين أن يدرأ الإنسحاب من سورية خطر أو على الأقل يؤخر توظيف الحزب لتواجده في انشاء "منظمة في سورية على صورته في لبنان"، وهو ما سيكون له انعكاساته على الحدود مع إسرائيل حيث سينتقل التوتر إلى تلك المنطقة ما يرفع من اسهم تداعي الجبهة السورية – الإسرائيلية في محاولة لتغيير الأمر الواقع منذ أكثر من أربعين عاماً.