قدّمت الصحافة اللبنانية عددًا من الشهداء على طريق الحقيقة وإنارة دروب المعرفة والخبر، وكانت السباقة بين الدول العربية في تقديم الصحافيين قرابين على مذبح الحرية. فقبل استقلال لبنان ارتقى اثنا عشر صحافيا لبنانيا شهداء على مشانق "الجزار" جمال باشا بين 1915 و1919، ليفتحوا بذلك طريق "الشهادة" الصحافية التي لم تقفل حتى يومنا هذا.

يحيي لبنان في السادس من أيار من كل عام عيد ​شهداء الصحافة​ اللبنانية. عيد سعيد يذكرنا بزملاء سلكوا درب الشهادة فانتصروا، وحزين لانه يذكرنا أيضًا بواقع مرير تعيشه الصحافة اللبنانية بظل لا مبالاة رسمية ونقابية بحقوق الصحافيين، الاحياء منهم والشهداء.

تطول وتطول لائحة الشهداء الصحافيين اللبنانيين، ولكننا نستذكر عددًا منهم ممّن استشهدوا في العشرية الاخيرة. ففي كانون الاول من العام 2005 اغتيل رئيس مجلس ادارة صحيفة "النهار" اللبنانية جبران تويني ولا تزال حقيقة اغتياله مبهمة. ونفس الامر ينطبق على الصحافي سمير قصير الذي تعرض للاغتيال في تموز من العام نفسه.

في العام 2006 وإبان حرب تموز، تعرضت الصحافة اللبنانية لهجوم واسع من العدو الاسرائيلي الذي قصف مبنى قناة "المنار" ودمر هوائيات ومحطات ارسال اغلب المؤسسات الاعلامية اللبنانية، فاستشهد الزميل سليمان الشدياق المسؤول الفني في محطة ارسال تلفزيون "LBC" في منطقة فتقا-ادما في فتوح كسروان.

وفي نيسان 2012 استشهد الزميل المصور في قناة "الجديد" علي شعبان على الحدود اللبنانية السورية دون ان يصل التحقيق لخواتيمه المرجوة. وحول هذه الحادثة يقول لـ"النشرة" الزميل ​حسين خريس​ الذي كان برفقة الشهيد شعبان وبالتالي عايش "الموت" عن قرب: "نحن لا نعيش بظل دولة مكتملة بل بظل شبه دولة وهذا الامر سيستمر طالما ان النظام القائم حاليا باق كما هو". ويضيف: "اما بالنسبة للنقابات فعملها في لبنان هو "عمل التشريفات" فقط واغلب اعضائها لا يعرفون ماهية العمل الصحافي الحقيقي"، شاكرا اخيرا "الصحافيين الحقيقيين الذين هم على تماس مباشر مع الشعب والشارع لا صحافيي "البرستيج" والحفلات"، معتبرا ان هؤلاء هم "انبل من في المجتمع لانهم يعملون لاجل هذا المجتمع فقط لا غير".

ومؤخّرًا في شهر نيسان من العام الحالي ودعت الصحافة اللبنانية ثلاثة شهداء من قناة "المنار" قضوا اثناء تغطيتهم الاحداث في معلولا السورية وهم حمزة الحاج حسن، محمد منتش وحليم علوه. وفي هذا السياق يرى مدير الاخبار في قناة "المنار" ​علي الحاج يوسف​ ان شهداء "المنار" هم كشهداء المقاومة وفي نفس الخط الذي يدفع الشهداء ثمنه. اما بالنسبة لموقف الدولة من الصحافة وشهدائها يشير الحاج يوسف في حديث لـ"النشرة" الى ضبابية الموقف تجاه الصحافة: "لا نرى من الدولة في مناسبات استشهاد الصحافيين سوى بيانات الاستنكار، ولا ادري ان كانت الدولة تريد الاهتمام بهذا القطاع اصلا"، مشيرا الى ان نفس الامر ينطبق على النقابات "المتشرذمة". ويأمل يوسف اخيرا ان يصبح للصحافي قيمة في لبنان وان يكون له حصانة تماما كما النواب والرؤساء.

نقيب المحررين ​الياس عون​ ابدى انزعاجه من تحول مناسبة عيد الشهداء وشهداء الصحافة تحديدا من عيد وطني يتم الاحتفال به على اعلى المستويات الى عيد عادي يقتصر على وضع اكاليل الزهر ويحضره ممثلون عن الرؤساء. وقال في حديث لـ"النشرة": "العام الماضي تفاجأت بالحالة السيئة لمدفن شهداء الصحافة الموجود قرب دار الطائفة الدرزية في فردان ببيروت، وطلبنا كنقابة آنذاك من رئيس بلدية بيروت بلال حمد ومن المحافظ السابق ناصيف قالوش تصحيح الامر والاهتمام بالمكان وترميمه دون فائدة". وأضاف: "هذا العام لم نكن ننوي الذهاب الا ان وزير الاعلام رمزي جريج اتصل وطلب تمرير الذكرى واعدا بمعالجة الموضوع خصوصا بعد تعيين محافظ جديد، ورغم ذلك ابلغت الوزير انني سأكون ونقيب الصحافة محمد البعلبكي شهود زور ولن يكون لنا كلمات بالمناسبة".

وكما العادة يتحدث عون عن انجازات نقابته وقوتها، مؤكدا ان المشاريع الاصلاحية موجودة ولكنها تعرقلت بفعل حكومة تصريف الاعمال وستعود الى السكة الصحيحة مع الحكومة الجديدة، معتبرا ان مسار الاصلاح طويل وشاق ولن ينتهي بيوم واحد.

وان كان العيد هو عيد الشهداء، الا انه لا بد ان نذكر ايضا الصحافيين المخطوفين، كما الذين يتعرضون كل يوم للاعتداء خلال تأديتهم لعملهم. ومن هنا تستمر الصحافة اللبنانية ببذل التضحيات في سبيل الحرية والحقيقة فلا فرق بين صحافي شهيد واخر حتى وان اختلفت الانتماءات الدينية والسياسية، وستستمر الصحافة اللبنانية على نفس الخط رغم الضغوط التي تتعرض لها وغياب الاهتمام الرسمي والاكتفاء بكلمات "التشجيع" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ورغم غياب النقابات الفاعلة التي تحمي ظهر الصحافي.

حرب الصحافة اللبنانية مستمرة وإن تنوعت الاسلحة المستخدمة ضدها، فالرصاصة ليست وحدها السلاح المستعمل، لأن القضاءين المحلي والدولي اصبحا سلاحا اضافيا يواجه الصحافيين وهذا ما ظهر في الايام الماضية مع رئيس تحرير صحيفة "النشرة" جوزيف سمعان، ومحطة "الجديد" وجريدة "الاخبار".

درب الحرية الاعلامية طويل والحرب مع الظلاميين مستمرة والغلبة ستكون للصحافة الحرة في نهاية المطاف، فمن يدفع الثمن بالدماء لا يعرف الهزيمة.