لم تبقَ منطقة في لبنان إلاّ وتأثرت بسوء إدارة ملف النفايات عبر السنوات المنصرمة. فمدينة جبيل، مدينة الحرف والأبجدية، ومدينة السياحة التي ما زالت تجذب الأنظار رغم وجود لبنان على كفّ نار المنطقة المشتعلة، ليست بمنأى عن تراكم شتّى أنواع الأوساخ على شاطئها، وعلى سنسولها البحري وقرب مينائها التقليدي الفريد والجميل.

أكياس تعوم قرب قواربها، وبذور دوار الشمس تنتشر قرب زجاج المرطبات على صخورها، والناس تتذمر: "أهكذا ننقل الصورة الحضارية عن لبنان؟ وماذا سيقول الأجانب عنا بعد رؤية هذه المهزلة؟"

إيلي سرور، هاوي الصيد الذي يقضي ساعات طويلة من نهاره على ذلك الشاطئ، يلقي اللوم خصوصاً على الشباب الذين يسهرون على الصخور، ويرمون كل فضلات طعامهم عليها "وآخر همّن"، مشيراً إلى أن "بعضهم يرمي الزجاج ويكسره، غير آبه بأن ذلك قد يشكل خطراً على سلامة الصيادين أو سلامة الناس الذين يتنزهون هناك". ويتابع متذمراً: "لا يمكن إيجاد السمك بسبب القمامة". وبدوره، يرى زميله طوني أن المسؤولية تقع على كل إنسان، لأن نظافته في الأماكن العامة تعكس نظافته في منزله.

أما أحد المغتربين الذين التقينا بهم على السنسول، فيعتبر أن الوضع بات أفضل من السنوات الماضية، ولكنه يشدد على ضرورة أن تعي الناس أهمية الحفاظ على النظافة العامة، مشيراً إلى أن "البلدية لا يمكنها تأمين حراسة لمدى 24 ساعة، فالأمر يتعلق بالتربية الشخصة والتوعية الغائبتين في الدولة وفي المنازل". ويسأل: "هل يقبل أحدهم أن يرمي آخرٌ النفايات في منزله؟". وفي هذا الإطار أيضاً، يعتبر غابريال الذي كان يمارس الرياضة هناك، أنه لا يمكن إلقاء اللوم بشكل دائم على الدولة. فعلى المجتمع المدني أن يكون أكثر نظافة، داعياً إلى إيجاد حلّ ما وبأسرع وقت ممكن "لأن النفايات تتراكم بشكل مستمر".

ويبقى المجهود الذي تقوم به بلدية جبيل حتى الساعة غير كافٍ في هذا الإطار، رغم قيام موظفيها بثلاث جولات تنظيف يومية في السنسول والميناء، وذلك ضمن الإمكانيات المتاحة لها، وفق ما يؤكد نائب رئيسها أيوب برق لـ"النشرة"، الّذي يشرح أن أسباب النفايات الموجودة تعود أولاً إلى عدم وجود ثقافة المسؤولية العامة لدى بعض المواطنين من جهة، وإلى موقع جبيل في وسط الساحل اللبناني، الأمر الذي يؤدي إلى تحملها للنفايات التي تأتي إليها من شواطئ أخرى "كلّ ما هب الهواء الغربي"، داعياً الدولة في هذا الإطار إلى وضع حدّ للمكبات الموجودة على الشواطئ.

ويعتبر برق أن "إمكانيات البلديات محدودة، ومراقبة موضوع النظافة مسألة صعبة، وبحاجة إلى إمكانيات أكبر"، موضحاً ان "الأمر يطال كل لبنان، وبالتالي، فعلى كل بلدية العمل ضمن نطاقها وعلى الدولة أن تلعب دورها بإقفال مصادر التلوث العام على الشاطئ اللبناني، وإقفال المطامر ومكبات النفايات على الشاطئ، وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة: نجمع النفايات ونرميها في المكبات، ومن ثم تصل إلى المطامر الموجودة على الشواطئ، فتعود إلينا مع أول نسمة هواء، وهكذا دواليك".

ويكشف أنه سيتم تشكيل لجنة مؤلفة من البلدية والمجتمع المدني والصيادين وأصحاب المطاعم في جبيل القديمة، وذلك في 10 أيار، بهدف تحويل ميناء جبيل إلى ميناء أخضر ونظيف، مشيراً إلى أنه سيصدر عن هذه اللجنة مقررات صارمة ستعمل البلدية على متابعة تنفيذها. ويعد بأنه سيكون لهذه اللجنة نتيجة إيجابية لأن "تجربة البلدية ناجحة في موضوع اللجان، إن كان في الحديقة العامة التي افتتحناها أو في المجمع الرياضي".

وجلّ ما يأمله اللبنانيون هو أن تبقى جبيل أيقونة عن تاريخ وطننا، كونها أقدم مدينة مأهولة في العالم، وأن تبقى ناقلة لوجه لبنان الحضاري، لا لوجه النفايات وتخلّف بعض من يرمي ما في يديه، يميناً ويساراً، على شاطئه وصخوره وكأن شيئاً لم يكن.

تصوير فوتوغرافي بلال سلامة (الألبوم الكامل هنا)

تصوير تلفزيوني علاء كنعان