لعلَّ الأسبوع المقبل، الذي سيمتدُّ من الثاني عشر من هذا الشهر إلى الثامن عشر منه، هو من أخطر الأسابيع لأنَّه سيُشكِّلُ المرحلة الإنتقالية بين العهد ومرحلة الفراغ، بالمعنى السياسي وليس الدستوري.

وهذا الأسبوع الإنتقالي سيكون من شأنه رسمُ معالمِ المرحلة المقبلة التي قد تطول أو تقصر، وفقاً لتداخل الظروف المحلية بالإقليمية والدولية.

كما يصحّ فيه إعتباره الأسبوع الضاغط لأنَّه ستزدحمُ فيه معظمُ الإستحقاقات دفعةً واحدة:

السياسية منها والدستورية والحياتية والنقابية، وكلُّ خطوة سيشهدها سيكون لها تأثيرها على المرحلة التي ستأتي بعدها.

***

الخميس، الخامس عشر من أيار، سيكون مجلس النواب على موعدٍ مع الجلسة الرابعة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري لإنتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية، الجلسات الثلاث التي سبقت لم تكن مشجِّعة فلماذا تكون الرابعة مُشجِّعةً في ظلِّ غياب كلِّ ما هو إيجابي؟

فجلسة الثالث والعشرين من نيسان إكتملَ نصابُها لكنَّه لم يُترجَم بإنتخاب رئيس، وجلسةُ الثلاثين من نيسان غابَ نصابُها وكذلك الإنتخاب، الثالثة لم تكن ثابتة فتناقص عدد النواب الذين حضروا إلى ساحة النجمة، الرابعة لن تكون أفضل حالاً ليبقى عنصر الإثارة محصوراً في ما إذا كان الرئيس بري سيُحدِّدُ جلسةً في الأسبوع الأخير المتبقي من العهد، والذي سيمتدُّ من التاسع عشر من أيار حتى الرابع والعشرين منه.

***

إنَّه الربع الساعة الأخير لكنَّه لن يُفضي إلى أيِّ شيء، فمرحلةُ المجهول بدأت تُطلُّ برأسها من الآن، ولا شيء في الأفق يؤشِّر إلى إمكان أيِّ تبدُّلٍ في ما تبقَّى من أيام.

***

لكنَّ المعطى الجديد في ما خصَّ الإستحقاق هو الكوة التي فَتَحَهَا رئيسُ حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد زيارته بكركي واجتماعه مع الكاردينال الراعي، وهذا المعطى يتمثَّلُ في الإقتراح الذي قدَّمه، وفيه:

إذا حصل المجالُ أن نرشِّحَ شخصاً بحدٍّ كبير مقبولاً ويتمتع بكل المواصفات السياسية فأنا مع هذا الترشيح ولكنَّ الشرطَ الأساسي أن يكون من 14 آذار.

هكذا يكون جعجع قد وضع الكرة عند قوى 14 آذار لتتوافق على مرشَّحٍ من صفوفها، فإذا تحقَّق هذا الأمر فإنَّه يسحب ترشيحه.

***

الإستحقاقُ التالي الجاثم على صدور الجميع هو الإستحقاق المعيشي والنقابي. ففي الوقت الذي حدَّد فيه رئيس مجلس النواب الأربعاء المقبل في الرابع عشر من هذا الشهر، موعداً لجلسةٍ تشريعية لمناقشة سلسلة الرتب والرواتب، فجَّرت هيئة التنسيق النقابية قنبلتها بإعلان ذلك اليوم على أنَّه يوم الإنفجار الكبير الذي سيترافق مع إعتصامات وإضرابات، وسيكون ممهِّداً لخطوات تربوية تصعيدية تتمثَّل في مقاطعة الإمتحانات لجهة عدم وضع أسئلتها وعدم التصحيح.

***

وبين الفشل في إنتخاب رئيسٍ وتعثُّرٍ في إيجاد معالجة إقتصادية ومالية توفِّق بين مطالب هيئة التنسيق النقابية وخزينة الدولة، يبدو البلد متعثِّراً في تلمُّس خطواته للمستقبل القريب وكأنَّه يعيشُ كلَّ يومٍ بيومِه، وحتى هذه اليوميات تبدو وكأنَّها تمرُّ بظروفٍ عصيبةٍ بسبب الفوضى العارمة التي تطبع معظم الملفات والتحديات والإستحقاقات.

***

تأتي في طليعة هذه التحديات الزيارة التي ينوي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القيام بها إلى الأراضي المقدسة، لإستقبال ضيفه الكبير البابا فرنسيس، وفيما أطلق الكاردينال الراعي صرختَهُ المؤكدة على الزيارة، قوبِلَت خطوته الجريئة هذه بردٍّ مدوٍّ من الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي اتصل بالكاردينال الراعي، وإثر الإتصال وزَّعت الرئاسة الفلسطينية الترحيب الإستثنائي قائلةً:

أهلاً وسهلاً بضيف فلسطين الكبير، رأس الكنيسة المارونية بتاريخها العريق في الحفاظ على العروبة لغةً وثقافة، وأهلاً وسهلاً بغبطتكم في بلدكم الثاني فلسطين، فزيارتكم ليست تطبيعاً كما اعتاد أن يردِّدَ ذلك بعض المزاودين وأصحاب الأجندات الخاصة المطالبة بعدم زيارة فلسطين والقدس لأنَّها تحت الإحتلال وكأنَّهم بموقفهم هذا يسلِّمون بالأمر الواقع. نقدر لكم يا صاحب الغبطة زيارتكم المباركة لأرضكم وللقدس التي هي مدينتكم وللفلسطينيين المحاصرين.

بعد هذا الكلام، هل من كلام؟

الكاردينال الراعي يُمارس أحياناً فِعَلَ الصَمَتْ الذي يبدو أقوى من فعل الكلام. قال كلمتَهُ المدوِّية عن الزيارة للأراضي المقدسة وانتظر وقْعَها، ولهذا لم يتطرَّق أثناء زيارته للجامعة اليسوعية للزيارة، بل راح أبعد من ذلك كثيراً غامزاً من قناة النفعيِّين الذين يُقدِّمون المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، فقال كلاماً في الأخلاق يُفتَرض أن يفهمَهُ الذين يبتعدون أكثر فأكثر عن المعايير الأخلاقية في سلوكهم اليومي، فخاطبهم مداورةً قائلاً:

نحن المسافرين على وجه هذه الأرض، نسعى إلى الوطن السماوي الأعلى. هذا يقتضي منّا ترتيب حياتنا الأخلاقيّة، بحيث نؤدّي واجباتنا كمواطني الأرض والسماء.

بعد هذا الكلام العميق، هل مَن يحفظ الأمثولة؟