قدر طرابلس أن يتكرّر مشهد "دولة المطلوبين" في تاريخها لمرتين.. مع فارق أنّ المشهد الأول في سبعينيات القرن الماضي انتهى باقتحام القوى الامنية لدولة احمد القدور في الاسواق الداخلية بعد حصار انتهى بقتل من قتل واعتقال من بقي حيا منهم، أما المشهد الثاني فآيلٌ إلى خواتيم ناتجة عن حكمة قيادة الجيش اللبناني وطول اناة القيادات التي وضعت خطة امنية نجحت في اسقاط "دولة المطلوبين" التي لم تصمد طويلا بعد أن تبلغ المطلوبون ان لا مساومة ولا تراجع عن انجاز الخطة الامنية بتحقيق كامل بنودها بالرغم من تسرع البعض في القاء التهم جزافا بان التوقيفات تشمل الصغار من عناصر المجموعات بعد تحييد قادة المحاور مما كان يعني ان الخطة آيلة للسقوط عند اول هزة امنية..

لكن ما حصل في الساعات الاخيرة من تطورات على الساحة الطرابلسية ادى الى تخييب ظن هؤلاء حيث الاصرار على متابعة الخطة الامنية وتنفيذ مذكرات التوقيف لم يتراخ لحظة واحدة في ظل متابعة وحدات الجيش مهماتها بنفس الحزم والحسم الذي بدأت به الخطة وأثمرت أمنًا وأمانًا مما يؤكد ان لا عودة للوراء.

أول من أدرك جدية الجيش في مواصلة مهماته كان قائد مجموعة البداوي عامر اريش الذي سارع الى تسليم نفسه في 14 نيسان الماضي وتعرض حينها لعتاب من زملائه الذين اعتبروا انه تسرع في ذلك..

وفي الساعات الاخيرة بعد ايام من الفرار في تلال المنيه مطاردين من مداهمات الجيش أبدى قادة المحاور الآخرون استعدادهم لتسليم أنفسهم بعد وصولهم إلى جدار مسدود وان لا افق لمشروعهم بعد رفع الغطاء السياسي عنهم اضافة الى رفع غطاء هيئة العلماء المسلمين فكان ابرز الذين سلموا انفسهم قائد محور البرانية زياد علوكي وقائد محور سوق الخضار في التبانة سعد المصري مع ابرز المقاتلين خالد القواص وعمر محيش، ثم كرت سبحة التسليم لتشمل ابو دعاس محمد الحلوة وابنه عبد الله الحلوة وحسان سرور(الناجي الوحيد من مجموعة تلكلخ)واحمد العبود وعلي جركس وخالد شلبي وعبد الله منصور والسوري خالد محمود المصطفى.

لماذا سلم هؤلاء انفسهم؟

اولا– ان مطاردتهم ادت الى حصارهم حيث لجأوا وسدت في اوجههم المنافذ وتبلغوا ان لا حل لمشكلتهم الا بتسليم انفسهم لان الجيش مصمم على متابعة الخطة ومنعا للعودة الى الوراء.

ثانيا– تلقوا وعدا وضمانات بمحاكمات عادلة ومنصفة ومن ثم الى تسوية اوضاعهم لاعادتهم الى الحياة المدنية بعد نفض غبار مراحل الاقتتال التي مضت.

ثالثا– تأكيد القوى السياسية كافة ان لا احد فوق سلطة القانون والتوقيفات تشمل الجميع بشكل متوازن ومن الطبيعي الاخذ بعين الاعتبار من يبادر الى تسليم نفسه عكس من يتم توقيفه خلال المداهمات والملاحقات ومواجهة القوى الامنية.

في المحصلة إنّ التطورات الأخيرة بإقدام قادة المحاور على تسليم أنفسهم ترك ارتياحًا عامًا لدى الطرابلسيين وأشاع المزيد من أجواء الاطمئنان الى مسار الخطة الامنية والتأكيد ان البؤر الامنية في طرابلس انتهت الى غير رجعة..