الطبيعة الخضراء الخلابة والتنوع المناخي والسياحة والزراعة هم بترول لبنان وثروته الوطنية التي يعيش منها جزء كبير من اللبنانيين منذ الأربعينيات من القرن الماضي، إلا أن اللبنانيين لم يتمكنوا من الحفاظ على هذه الثروة، ويكفي أن نذكر أن المساحات الخضراء تراجعت من 70 بالمئة إلى ما دون 5 بالمئة خلال أقل من أربعين سنة، الأمر الذي دفع البيئيين في لبنان وبعض الدول الصديقة إلى وضع برامج لمواجهة هذه المشكلة بتداعياتها المناخية، حتى أن ثمة خططاً وضعت قبل سنوات لمواجهة مشكلة التصحر لكنها لم تلحظ اي تنفيذ او اهتمام لهذه الخطط.

ولعل أبرز المشكلات القائمة في لبنان اليوم، تتمثل في الوضع الامني المتدهور والسيارات المفخخة والصواريخ على القرى والنزوح السوري من جهة، ومن جهة اخرى ​المقالع والكسارات​ التي تنهش جباله ومواقعه الجميلة، حيث لم تتمكن حكومات ما بعد "الطائف" من إقرار مخطط توجيهي شامل للكسارات والمقالع والمرامل، وما تزال وزارات البيئة والداخلية والبلديات تعتمد بدعة المهل الإدارية للبعض والبعض الاخر استغل الوضع الامني وتحت حجة معسكرات لـ"حزب الله" أقام مقالع تعمل ليل نهار في ظل غياب تام للمراقبة والمحاسبة.

لا يمكن مقاربة مشكلة المقالع في لبنان، على أنها مشكلة بيئية فحسب، فهي تتعدى البيئة إلى السياسة وتستحضر الروتين الإداري والفساد، حتى قيل أن "وراء كل مقلع يعمل مسؤول نافذ في الدولة"، او عصابات مدعومة من البلديات، خصوصاً أن ثمة حلقة كبيرة من المستفيدين في الدولة وخارجها، بطرق ملتوية من رشى وعطايا ومخصصات تصرف بانتظام، فضلاً عن مافيا تدعم وتؤازر وتخفي ملفات.

ففي بلدة ​تمنين الفوقا​، يشكو الاهالي من اقامة البعض مقالع في جرد البلدة بدون رخص وبطريقة غير شرعية الامر الذي يسبب أضرارًا كبيرة على البيئة والصحة العامة والاشجار المثمرة من كرز ولوز وتفاح واجاص وغيرها وتحويل هذه الاراضي من أراضِ زراعية الى أراضٍ جرداء وحفر الطرقات وتهجير اصحاب هذه الاراضي الى المدينة، في ظلّ غياب تام لاجهزة الرقابة ووزارة البيئة والداخلية والقوى الامنية.

وفي هذا الإطار، أوضح أحد الناشطين البيئيين لـ"النشرة" أنّ أهالي البلدة يقدّمون منذ زهاء شهرين الشكاوى إلى عمليات قوى الأمن الداخلي حول موضوع المقالع في بلدة تمنين الفوقا – بعلبك – البقاع، "وبعد كل شكوى تأتي دورية من قبل مخفر بيت شاما الى البلدة ويتوقف العمل ليوم أو يومين ثمّ يرجع الى طبيعته"، وأضاف: "لدى الإستفسار في إحدى المرات من رئيس المخفر شخصيا (الآن شُكل الى بعبدا) قال أننا نأتي للكشف ونجد بعض الأشخاص الذين يقفون وراء حواجز مدّعين أن المنطقة تابعة لمعسكرات لحزب الله، ليتبين بعد حين أنه اي رئيس المخفر متواطئ مع أصحاب المقالع ومع رئيس البلدية شوقي ناصر وهذا الأخير يقبض مبالغ من أصحاب المقالع يدعي بأنها رسوم للبلدية"، كما قال.

وتابع الناشط نفسه قائلاً: "في آخر مرة اتصلنا بها بالعمليات أصروا على أخذ الإسم بحجة انه ممكن أن يكون بلاغا كاذبا وعند اصرارنا على عدم الكشف عن اسمنا أخذ الشكوى وقال نحن نهتم بالأمر ولتاريخ اليوم لم نلحظ اي تحرك للقوى الأمنية ضمن نطاقنا، ونحن اذ نتحفظ على هويتنا لأنه سيكون هنالك مشاكل بيننا وبين أصحاب المقالع، لأنهم يدعون بأنهم عناصر من حزب الله ويضعون حاجزًا لمنع الناس من الدخول الى منطقة المقالع مع العلم أنها تحتوي بجانبها على بساتين الكرز وقد بدأ الموسم للقطاف وأيضا يسببون الضرر بالبساتين نتيجة الغبار الكثيف الناتج عن حركة الشاحنات اليومية ومع العلم أن معظم هذه المقالع تقع ضمن نطاق ما يُعرف بالأراضي المشاع".

وإذ لفت الناشط إلى أنّ أسماء هؤلاء أصبحت معروفة من قبل مخفر بيت شاما ومن فصيلة شمسطار ولكن الى الآن لم يتم استدعاؤهم للتحقيق معهم، أشار إلى أنه "بتاريخ 09/5/2014 تمّ استدعاء أصحاب المقالع الى مخفر بيت شاما فلم يحضر أحد مع العلم أن منازلهم معروفة من قبل المخفر، أضف الى ذلك انهم اي أصحاب المقالع وفي اليوم التالي عمدوا الى قطع الطريق المؤدي الى المقالع لدى معرفتهم بتوجه عدد من عناصر التحري الى الجرد للكشف على المواقع ووضعوا لافتة أن المنطقة عسكرية وقاموا بوضع عدد من الصخور على الطريق كي لا يمر أحد، مع العلم أن عددًا من الرعاة متواجدون هناك والصور تبين أنه لا يوجد اي معسكر كما يدعون والظاهر أن رجال التحري لم يبذلوا اي جهد في الكشف الدقيق والسؤال عمّا اذا ذهبوا الى هناك من الأساس، كما وأنهم ينظمون أنفسهم ولديهم أجهزة لاسلكي ويتمركزون في نقطة متقدمة يعتمدونها نقطة مراقبة للتنبيه الى أي دورية تأتي أو أي شخص يتجه الى منطقة المقالع فيلاحقونه ويمنعونه من الدخول حتى لو كان من أهالي القرية".

وبالنسبة الى رئيس البلدية السيد شوقي ناصر ولدى مراجعته من العديد من أبناء القرية حول الموضوع وأن بإمكان البلدية أن تعمد الى اقفال المقالع ومنع أصحابها من معاودة العمل، يقول الناشط البيئي أنه أجاب بالحرف الواحد: "أنا لن أقفلها، واذا كنتم قادرين على إقفالها فليكن "، مشيراً إلى أن البلدية تستفيد من هؤلاء بمبالغ من المال تساهم في دعم بعض المشاريع التي تنفذها البلدية "علما أننا لم نشاهد لحد الآن اي من هذه المشاريع سوى نصب تذكاري على مدخل البلدة بالباطون المسلح فقط".

وفيما يلفت الناشط البيئي إلى أن بلدية بدنايل في المقابل عمدت إلى إغلاق المقالع التي تقع ضمن نطاقها والتي وضع اليد عليها نفس الأشخاص من بلدة تمنين الفوقا، وذلك بإحضار القوى الأمنية الى تلك المقالع، يخلص إلى أنّ ادعاء رئيس البلدية بعدم قدرته على اغلاقها هو ادعاء كاذب وهدفه التضليل والإستمرار في الإستفادة من أصحاب المقالع بمبالغ مالية، على حدّ تعبيره.

أضف الى الأضرار التي لحقت بالطرقات المؤدية الى البساتين وبين المنازل في القرية ، إضافة الى الأضرار التي تلحق بالبيئة من خلال تشويه مناظر الطبيعة والشجر الحرشي الذي عاد الى النمو أضف الى الصعوبة التي يتكبدها أهل القرية بالوصول الى البساتين نتيجة الحفر في الطريق وكذلك الغبار الكثيف الناتج عن مرور الشاحنات.