أثبتت نتائج الإنتخابات البرلمانية الأوروبية تنامي حضور تيار ​اليمين المتطرف​ في أكثر من دولة، الأمر الذي أثار حوله علامات الإستفهام، خصوصاً أن هذا التيار مناهض للوحدة الأوروبية ويعمل على تعزيز الإنتماء القومي داخل كل دولة.

وفي هذا الإطار، تتعدد الأسباب التي يرى المراقبون أنها أدت إلى هذا التطور في المزاج الشعبي، لكنهم يجمعون على أن الأوضاع الإقتصادية هي عامل أساس في ذلك.

الأسباب عديدة

من وجهة نظر البعض، فان نتائج الإنتخابات البرلمانية الأوروبية كانت طبيعية، نظراً إلى الأزمة المالية والإقتصادية الحادة التي تمر بها أكثر من دولة، في وقت فشلت الأحزاب اليسارية واليمينية المعتدلة في إيجاد حل لها.

وفي هذا السياق، يوضح أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور ​وليد عربيد​، أن هذا التيار يعود إلى الواجهة الأوروبية في كل مرة تكون هناك أزمة إقتصادية أو إجتماعية حادة، ويلفت إلى أن الأهم بالنسبة إلى القوى التي تنتمي إلى هذا التيار هو أنها تريد التعامل مع أوروبا كأُمَمٍ، أي أنها لا تفضل التكامل الكلي بين الدول.

ويشير الدكتور عربيد، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أنصار هذا التيار لديهم نظرة متطرفة بالنسبة إلى المهاجرين، وهم يحمّلونهم بشكل أساسي المسؤولية عن الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلدان الأوروبية.

من جانبه، يتحدّث عميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية الدكتور ​طلال عتريسي​ عن وجود أسباب كثيرة أدت إلى بروز نجم هذا التيار، ويوافق على أن الأوضاع الإقتصادية الصعبة كانت العامل الأساس في حملته الدعائية، في مقابل تراجع مختلف الأحزاب الأخرى، لا سيما تلك اليسارية، حيث بات الصراع اليوم بين القوى اليمينية المعتدلة واليمينية المتطرفة.

ويشير عتريسي، في حديث لـ"النشرة"، إلى تنامي النزعة القومية في أكثر من مكان في العالم، ناهيك عن المخاوف التي تبرز بسبب تصاعد دور الإسلاميين المتطرفين على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى تنامي دور القومية الروسية بشكل لافت من جديد، لكنه يوضح أن العامل الأخير ليس هو الأساس كونه لا يزال حديث نسبياً.

لا يمكن الجزم بالتداعيات

وبالرغم من كل هذه المعطيات، لا يبدو أن الحكم على التداعيات في المستقبل القريب بالأمر السهل، خصوصاً أن الحديث عن تحولات جذرية لا يمكن القبول به في هذه المرحلة، لكن ذلك قد يحصل في حال استمر نموّ هذا التيار على هذا النحو في المستقبل، لا سيما بحال فوز أحد مرشحيه بالإنتخابات الرئاسية في إحدى الدول الأوروبية.

وعلى هذا الصعيد، يؤكد عربيد أن هناك جملة من الأسئلة التي تطرح نفسها بشكل ضاغط راهناً بالنسبة لمستقبل القارة الأوروبية، خصوصاً بالنسبة إلى الإجراءات التي تعيدها إلى الساحة العالمية كقطب فاعل من بين عدة أقطاب، وإمكانية تحول الإتحاد إلى منظمة إقليمية تحافظ على الشعور القومي داخل كل دولة من أعضائها.

كما يلفت الدكتور عربيد إلى أن أنصار هذا التيار لديهم رغبة بأن لا تكون أوروبا ملحقة بالولايات المتحدة الأميركية على صعيد السياسة الخارجية، ويطرح فكرة أن تكون القارة العجوز أمام تحولٍ مهم، لكنه يشدد على أن من المبكر الحسم بذلك، ويدعو إلى مراقبة التحولات التي قد تحصل في المستقبل.

بدوره، يرى الدكتور عتريسي أن الصراع القائم حالياً لن يؤثر على وحدة الإتحاد، لكنه يعتبر أنه في المستقبل قد يكون له تداعيات مهمة بحال تمكن تيار اليمين المتطرف من الإنتشار أكثر، ويرى أن هذه النزاعات قد تؤدي إلى صعود النزعة "الشوفينية" (Chauvinism)* من جديد.

أما بالنسبة إلى تداعيات هذا الأمر على صعيد السياسة الخارجية، يرى عتريسي إلى أن أوروبا لا يمكنها الإبتعاد عن الولايات المتحدة الأميركية طالما أنها لا تملك إقتصاداً قوياً يساعدها في ذلك، إلا أنه يلفت إلى أن وجود التيار اليميني المتطرف قد يعدّل من الشروط، ويؤكد أنه أقرب إلى السياسة الإسرائيلية فيما يتعلق بالأوضاع في المنطقة.

في المحصلة، من المبكر الحديث عن تحولات جذرية من خلال قراءة النتائج الأولية للإنتخابات البرلمانية الأوروبية، لكن حصول الأحزاب اليمينية المتطرفة، بحسب إستطلاعات الرأي، على ما بين 22 و30 في المئة من أصوات الناخبين الأوروبيين أمر ينبغي التوقف عنده كثيراً.

*الشوفينية (Chauvinism) هي حالة من التعصّب القومي والتي تصل الى المبالغة في حب الوطن، مع تصاعد في حدّة التطرف الّذي قد ينمو معه الحقد والكراهية تجاه باقي الأوطان. وقد مثّلت النازية الألمانية الحالة "الشوفينية" مع بداياتها منذ القرن الماضي، فاندثرت بعد الحرب العالمية الثانية، وعادت لتظهر من جديد في ألمانيا باسم النازيون الجدد الّذين يعادون كل من هو ليس أبيض البشرة ويعيش في بلدانهم كالسود والآسيويين والساميين والشرق أوسطيين بحجة قوية هي انهم يهدّدون بتغيير طبيعة مجتمعاتهم الأمر الذي قد يؤدي أيضاً لانقراضهم، وانتشروا بدول أوروبية كثيرة والولايات المتحدة الأميركية وروسيا.