شكّل مهرجان إحياء الذكرى الـ 27 لاغتيال الرئيس رشيد كرامي هذا العام نقطة تحوّل في طرابلس، انقلب فيها الشارع والمزاج العام من أقصاه إلى أقصاه، وحمل إشارات سياسية بالغة الدلالة

فاق الحضور الشعبي في الذكرى الـ 27 لاغتيال الرئيس رشيد كرامي التوقعات. وضاقت باحة قصر كرم القلة، المعقل التاريخي لآل كرامي، بالحشود، ما جعل الوزير السابق فيصل كرامي يخرج عن النص في بداية خطابه، ويسأل: «هل ترون ما أرى؟». وأتت الحشود من أغلب مناطق طرابلس، ومن مناطق شمالية ولبنانية مختلفة، وملأت الساحة والشوارع الجانبية منذ ما قبل ساعة من موعد المهرجان.

كما حضر ممثلون عن شخصيات وحلفاء من فريق 8 آذار، مثل الرئيس إميل لحود والوزيرين السابقين عبد الرحيم مراد وطلال إرسلان، ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، ونواب سابقون. لكن الحضور السياسي الأبرز كان لممثلين عن الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي وأحمد كرامي. وقد خصّهم فيصل كرامي مع النائب محمد كبارة بشكر خاص لرفضهم التصويت لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

هذا الحضور السياسي لمختلف مكونات القوى السياسية الرئيسية في طرابلس، باستثناء تيار المستقبل، فُسّر على أنه بداية تكوين حلف سياسي بين هذه المكونات في وجه التيار الأزرق في عاصمة الشمال.

وكان لافتاً، بحسب مراقبين، أنه بينما يخرج تيار المستقبل من الشارع الذي احتله منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، واكتفائه بإقامة مهرجانات في الذكرى داخل قاعات مقفلة، يخرج اليوم فريق 8 آذار إلى الشارع مجدداً، بعد طول غياب، وفي عاصمة الشمال تحديداً، في ظل ظرف سياسي محلي وإقليمي دقيق، ووضع أمني في غاية الدقة، ووسط تحريض طائفي ومذهبي غير مسبوق، ما يؤكد أن مكونات سياسية وشعبية سنية لها رأيها المختلف، وحضورها الشعبي، وخطابها السياسي، كاسرة حاجز الخوف والرهبة والتخوين الذي رفعه المستقبل في وجهها في السنوات التسع الماضية.

هذا التحوّل الذي لا يمكن تجاهله في طرابلس، ترجم عملياً في مشاركة كبيرة جاءت من المناطق الشعبية في المدينة، كان أبرزها وفدا قائدي محور المنكوبين عامر أريش ومحور باب التبانة سعد المصري، اللذان شكل حضورهما (حضور أريش شخصياً، إذ إن المصري لا يزال موقوفاً) مفاجأة حملت أكثر من مغزى، وخصوصاً أن أريش كان يعدّ، حتى وقت قريب، من أكثر المؤيدين لتيار المستقبل، قبل أن يعلن بعد الإفراج عنه أنه سيؤيد، في أي انتخابات مقبلة، ميقاتي وكرامي.

وسط هذه الأجواء، أطل فيصل كرامي على الحشود (خرج على النص أكثر مرة) ليجدد موقفه من ترشح جعجع لرئاسة الجمهورية، معتبراً أنه «عار على الديموقراطية وعلى العدالة في لبنان، ونسف لمواثيق العيش المشترك»، لافتاً أعلى المرجعيات المارونية إلى أن «الطائفة المارونية الكريمة فيها الكثير من الشخصيات المؤهلة لهذا المنصب، ولم يكن ضرورياً ترشيح مجرم قتل أحد أبرز وأهم زعماء الطائفة السنية في الجمهورية اللبنانية». وشدد على «فشل التوافق القائم على معادلات التحاصص المذهبي»، معتبراً أنه «لا يوجد بلد في العالم يمكن اختصاره بعدد من أمراء الطوائف»، لافتاً إلى أن «كل ما صدر عن طاولات الحوار غير دستوري ولا قيمة له، إلا في حال تصديقه من المؤسسات الدستورية».

وشدّد كرامي على «أننا لن نقبل بعد اليوم تطبيقاً مشوّهاً للدستور، ولن نقبل بقانون انتخابات مخالف للدستور يلغي القوى الحيّة في المجتمع ويحوّل هذه الانتخابات إلى تعيينات»، معلناً مباركته للخطة الأمنية الأخيرة في طرابلس «رغم كل الشوائب»، ومعتبراً «أنها أنهت جولات القتال العبثي وأوقفت الفجور السياسي الذي استعمل دماء الناس وأرزاقهم في لعبة دموية مزدوجة». وأكّد أن «اكتمال هذه الخطة لا يكون إلا عبر متابعة قضائية جدية لملف جريمتي التفجير في مسجدي السلام والتقوى، وأن طرابلس لن ترضى بأقل من العدالة تجاه دماء أهلنا الذين استشهدوا في بيتين من بيوت الله في وضح النهار». كما خصّ كرامي النائب سليمان فرنجية بلفتة، في إشارة تؤكد التحالف التاريخي بين العائلتين.