إن المتابع للشؤون المطلبية في لبنان في الآونة الاخيرة يكاد يقول أنّ مشاكل دولتنا، وما أكثرها، تكاد تنحصر بأمرين ومطلبين اثنين لا ثالث لهما. المطلب الأول هو ملف سلسلة الرتب والرواتب العالق في دهاليز السياسة منذ ثلاث سنوات. والمطلب الثاني هو كناية عن ملفين أساسيّين من ملفات ​الجامعة اللبنانية​، وهما ملف التفرغ الذي يشهد مدًّا وجزرًا منذ 2008 والثاني هو ملف تشكيل مجلس الجامعة والذي يخضع بدوره لتجاذبات سياسية منذ 2004.

كاد المواطن اليوم ينسى أنّ هناك شغورًا في موقع رئاسة الجمهورية لما لهاتين القضيتين من أهمية كبرى، فللأولى أهمية اقتصادية خالصة من خلال إحياء ما تبقى من الطبقة الوسطى في لبنان، وللثانية أهمية توازي أهمية السلسلة، وهي إنعاش الجامعة الوطنية وإنقاذها من التدهور وبالتالي إنقاذ مستقبل ما لا يقلّ عن 75000 طالب وطالبة، ذنبهم الوحيد أنّهم آمنوا بهذه الجامعة وبأهمّيتها وبرسالتها. وإذ رأوا في الصرح الوطني العظيم متنفسًا لهم وفرصة لإظهار قدراتهم وتطوير أنفسهم، فإنّ الجامعة تؤمّن لهؤلاء الطلاب التعليم شبه المجاني وبأعلى المستويات وبأفضل الجودة.

لقد كان مصير إضراب الاساتذة المتعاقدين مع الجامعة كمصير إضراب أساتذة المدارس. فقد نجح وزير التربية إلياس بو صعب في إحتواء الأزمة ولو مؤقتًا عبر التوازن بين مصالح الأساتذة ومصالح الطلاب، إذ سيسلم الأساتذة أسئلة امتحانات الدورة الاولى على أن يحتفظوا بحق عدم التصحيح في حال نكست الحكومة بوعدها في اقرار ملف التفرغ والعمداء في أول جلسة لمجلس الوزراء فيها جدول أعمال. وقد يحسب هنا لمعالي الوزير قدرته على التفاوض وتقريب وجهات النظر لما في ذلك خير الجميع. لعل الايجابية الأهم في هذا الموضوع هو قدرة الاساتذة المتعاقدين على الضغط إذ أثبتوا أنهم جزء لا يستهان به قدر على شل الجامعة ولو بشكل جزئي. فهم عصب هذه الجامعة، إذ إنّهم يشكلون أكثر من 75% من الجسم التعليمي وهم بأغلبيتهم من الشباب الذين وبدون شك سيخدمون الجامعة لعدة سنوات قادمة. من هذا المنطلق نرى أنّ مستقبل العمل النقابي في الجامعة سيكون بخير. لقد نجح أهل الجامعة من اظهار ان المعركة ليست فقط معركة ملف تفرغ وتعيين عمداء بالأصالة فقط، بل في اظهارها كمعركة وجودية تمس جوهر وكيان هذة المؤسسة العريقة. لقد سئم الاساتذة من سماع وعود اقل ما يقال فيها وعود مبنية على رمال تندثر وتتبدد عند اول موجة تصطدم بها.

لكن اليوم أصبحت الأمور تتبلور أكثر فأكثر بانتظار التوافق على آلية الحكم داخل مجلس الوزراء. لحينه يبقى الاساتذة المتعاقدون وكلّ الجامعة على أهبة الاستعداد للعودة إلى التصعيد من جديد على أمل أن تصدق وعود الوزير ووعود رئيس مجلس الوزراء في اقرار الملف. إن مصير الجامعة اللبنانية اليوم على المحك أكثر من أي وقت مضى إذ وصلت الأمور إلى نقطة اللا عودة رغم "وعود" المعنيين "المطمئنة" حتى الآن. لكن نحن نعيش في بلد التحولات السريعة لذا وجب على كل من يجد نفسه منتميا لهذة المؤسسة أن يبقى على يقظة من أمره وأن يكون جاهزا لكل الإحتمالات.

فهذه الجامعة تستأهل أن ندافع عنها وأن نساعدها على النهوض والخروج من نفق مظلم أوجدوها فيه وها هي اليوم من وجهة نظري المتواضعة تعبر أمتاره الأخيرة لتخرج الى النور وتبقى منارة هذا الوطن.

* عضو لجنة الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية