يخطئ من يظن أن هناك عراقياً واحداً يتشفّى بجيشه حينما يسقط، وبدولته حينما تنهار، لكن النقد ووضع الأصبع على مكان العطب بات في زمننا هذا مدعاة للتهجُّم والتخوين.

أتساءل باستغراب: لماذا لم أسمع صوتاً واحداً من جمهور الحكومة ينتقد أداءها ويشخّص عيوبها؟ فلم يمرّ العراق بيوم دون عشرات الخروقات الأمنية والفساد المالي والتكاسل في الأداء الحكومي.. لماذا الخدمات في أدنى مستوياتها، والأمن مفقود، مع كل هذا الكم من الجيش والشرطة؟ على مدى 8 سنوات كنا نسمع من يردد الأسطوانة المعتادة "الإرهاب يمنع الإعمار"، لكنهم لم ينتبه أحد إلى أن المحافظات الجنوبية التسع تشهد استقراراً أمنياً كبيراً، إلا أنها تشكو العوز وقلة الخدمات..

المضحك المبكي أن عدداً من الإخوة يدعونني إلى النقاش، وحين أطلب منهم تعداد إنجازات الحكومة، أتفاجأ برد أغرب من الخيال: "المالكي قضى على الإرهاب"! وحين أسأله عن الخدمات يعود للقول: "الإرهاب يؤخر الإعمار".

حتى بالسقوط المدوّي للمنظومة الأمنية والعسكرية، نجد التاريخ يعيد نفسه؛ فحين خرج الجيش مهزوماً في حرب الخليج الثانية، كان التلفاز الحكومي وقتها يبث المراسلات ويتغنّى ببطولة الجيش المنكسر، ويطلق عليه انتصاراً تاريخياً.. واليوم أشاهد قنوات الحكومة والداعمة لها تُنتج الأغاني "الثورجية" عن إنجازات وملاحم لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.

لا نريد تكرار الأخطاء، ولسنا مستعدين لتقبل "دكتاتور" جديد يحصل على شرعيته من الراقصين على كل وتر، والمصفّقين لكل زعيم، نريد دولة تُبنى على الحرص لا على الحقد، يتنافس قادتها على كثرة الإنجازات لا كثرة السرقات وتكديس الثروات، يكون رجل الأمن حصناً للوطن والمواطن، وليس أسداً عليهم في الرخاء، وفي الشدائد يطلب منهم الحماية.

لست مع عسكرة المجتمع، ولا أحبّذ رؤية رجل دين يحمل السلاح، بينما لم يرفع أصبعه يوم كان المحتلون يجوبون بلادنا طولاً وعرضاً.

الحل لما تشهده البلاد واضح ولا يحتاج إلا إلى الإرادة والاعتراف بالإخفاق، الحل بكل بساطة يتمثّل في تشكيل حكومة إنقاذ وطني من شخصيات مستقلة، وإعادة هيكلة الجيش، ووضع قادة للجيش من كبار الجنرالات المتقاعدين، ومراقبة الحكومة من قبَل البرلمان الذي سيكون أقوى في أدائه إذا ابتعد عن المساومة والصفقات وبيع الذمم..

الحل أن نراقب من نُخاصم مرة، ومن نحبّ ألف مرة.. فليس لنا إلا العراق، وليس للعراق إلا نحن..