انتهى اليوم الأمني الطويل الذي بدأ في شارع "الحمرا" الواقع في قلب العاصمة بيروت وانتهى عمليًا بعملية انتحارية استهدفت حاجزًا أمنيًا في​ ضهر البيدر​ إلى المزيد من الإرباك والحذر وإلى مسارعة الأجهزة الأمنية إلى كشف المستور في موازاة الدعوات الى التهدئة وضبط النفس من دون أن يعني ذلك أنّ لبنان خرج ولو مؤقتا من دائرة الاستهداف المميت لا سيما في مرحلة عضّ الأصابع الأشدّ وقعًا على البلاد التي تعاني من أزماتٍ سياسية وانقساماتٍ داخلية تساعد إلى حدّ بعيد في تكوين بيئاتٍ حاضنة للإرهاب وللإرهابيين على حد سواء.

وطرح إلقاء القبض على المجموعة الارهابية في قلب بيروت أكثر من علامة استفهام حول الجهات الرسمية التي تؤمّن المدّ اللوجستي للمجموعات التي تتحرّك بحريةٍ زائدة على رقعةٍ واسعة من الأرض الخصبة بالبيئات الحاضنة، على غرار تسهيل حصولها على جوازات سفر مزوّرة وإرشادها إلى الشقق السكنية البعيدة عن الأنظار، وعلى الفنادق الأقلّ تشدّدًا في استقبال النزلاء وما إلى ذلك من وسائل نقل ومعلومات دقيقة عن سُبُل تحرّكهم من دون إثارة الشبهات، مع الاشارة إلى أنّ المعلومات أجمعت على أنّ أفراد هذه المجموعة بالتحديد هم من جنسيات مختلفة بينها سعودية وعراقية وأردنية وباكستانية وما الى ذلك من خليط من المستبعد أن يكون قد التقى للمرة الاولى في بيروت.

ويبقى السؤال الأكبر عن كيفية دخول هؤلاء الأجانب، وبمعزل عن صفتهم وتوصيفهم إلى لبنان، عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الشرعية أو من خلال المعابر غير الشرعية، وفي الحالتين فإنّ علامة الاستفهام المشروعة تكبر، فإذا كان الاحتمال الأول هو الغالب فإنّ المصيبة كبيرة كون الأجهزة الامنية لم تنتبه إلى الجوازات المزورة وإلى حامليها، وفي الاحتمال الثاني فإنها الكارثة كون ذلك يؤكد أنّ البلاد سائبة وغير خاضعة لأيّ من أنواع السلامة العامة وما يرافقها من مستلزمات ليس أولها ضبط الحدود ولا آخرها ضرورة البحث عن كيفية اقصاء البيئة الحاضنة للارهاب عن الشارع ومنعها من الاستمرار في تغطية الحركات الاصولية والسلفية.

وبعيدًا عن هذه الاسئلة المشروعة كون الوضع لامس الخط الاحمر وبات يهدد باشعال البلاد واغراقها في حرب مذهبية لا يعرف أحد كيف يمكن أن تنتهي، حمل اليوم الامني الطويل أكثر من تأكيد بأنّ المظلة الدولية المانعة للانفجار الكبير ما زالت حاضرة بقوة، خصوصًا أنّ معلومات صحافية أشارت إلى أنّ جهاز المخابرات الذي أبلغ الاجهزة اللبنانية بالعمليات قبل حصولها هو جهاز الأمن الألماني العامل في العراق بالتوازي مع المخابرات الاميركية الناشطة على اكثر من محور، فضلا عن ردود الفعل الغربية التي جاءت سريعة بشكل غير مسبوق وهذا ما دفع بوزير الداخلية نهاد المشنوق إلى الاعتبار بأنّ ما حصل اليوم يقع في سياق الحرب على الارهاب، وهي حرب تحتاج عادة إلى غرفة عمليات استخباراتية موحدة تتواصل في ما بينها لحصد نتائج مرضية لاسيما أنّ الارهاب المتفشي في العالمين العربي والاسلامي تحول الى ظاهرة خطرة تطال العالم بأسره.

وفي شأن التوقيت، لفتت مصادر مطلعة على تفاصيل التقارير الأمنية إلى أنّ الهدف الأساسي هو إشعال نار المخيمات وإشغال "حزب الله" والجيش اللبناني عن أحداث القلمون من جهة واغراقهما في مستنقع يبعد القوى الامنية عن الاستمرار في مراقبة ومتابعة الأوضاع في الشمال من جهة ثانية وذلك تمهيدًا لتحريك الخلايا "الداعشية" النائمة بعد جرعة الدعم المعنوي والمالي الذي حصلت عليه جراء التطورات العراقية، إضافة إلى الارباك على المستوى الاقليمي والدولي واختلاف وجهات النظر الدولية في كيفية إزالة الخطر الارهابي، إضافة إلى زجّ هذا الملف تحديدًا على طاولة المفاوضات الاقليمية الدولية المشتركة.