تحوّل احتجاج سلفيين في طرابلس على توقيف شابين إلى حراك يشبه ما حدث قبل سنوات إثر توقيف شادي مولوي. أجهضت محاولات تكبير الاحتجاج، لكنها كشفت بعضاً من المستور عن واقع السلفيين في عاصمة الشمال وتعاطفهم مع «داعش»

عكّر توقيف شخصين في طرابلس أمس الخطة الأمنية الجاري تطبيقها في المدينة، منذ مطلع نيسان الماضي، وكادت الأمور تتطور نحو الأسوأ لولا احتواء الاتصالات للموقف.

ففيما كان إ. إدلبي، الساعد الأيمن للشيخ جمال الصباغ، عائداً من مقر عمله ألقت عناصر استخبارات الجيش القبض عليه في بلدة دير عمار الساحلية، بينما كانت قوة عسكرية أخرى تدهم منزل م. د. دندشي، المقرّب من الشيخ سالم الرافعي، في باب التبانة، وتسوقه إلى التحقيق أيضاً.

أثار توقيف الرجلين حفيظة القوى الإسلامية السلفية في طرابلس، خصوصاً أنصار الرافعي والصباغ الذين اعتبروا التوقيف استهدافاً مباشراً لهما. وعلى الفور جرت اتصالات مع مسؤولين في فرع استخبارات الجيش في طرابلس والشمال، فتعددت الإجابات بين أن «من قاموا بالتوقيف عناصر أتوا من بيروت مباشرة، ولا معطيات لدينا بعد»، وبين أن «الموقوف الثاني، أي دندشي، ملفه معقد جداً أكثر من ملف إدلبي»، حسب مصادر سلفية مطلعة.

وأوضحت المصادر لـ«الأخبار» أن الرافعي «تلقى نصائح بنفض يديه من ملف دندشي، حتى لا يتم إدخاله في ملفه واستدعاءه للتحقيق». لكن هذه النصائح لم تحل دون عقد لقاء عاجل في مكتب الأخير في منطقة الضم والفرز، مساء أمس، حضره عدد كبير من أنصاره أتوا من باب التبانة تحديداً، قبل أن ينقل الاجتماع إلى مسجد التقوى.

وكان لافتاً توجه عدد كبير من الذين حضروا للمشاركة في مكتب الرافعي إلى المسجد سيراً على الأقدام، يتقدمهم الصباغ الذي ظهر علناً لأول مرة منذ بدء تطبيق الخطة الأمنية في المدينة، يرافقه القيادي في تيار المستقبل العقيد المتقاعد عميد حمود وآخرون.

في مسجد التقوى، احتشد أكثر من 500 شخص، حسب تقديرات المجتمعين، وقطعوا الطريق الدولية التي تربط بين طرابلس وعكار عند مستديرة نهر أبو علي لبعض الوقت، وهناك جرت اتصالات لمعالجة المشكلة.

تولى حمود جانباً من هذه الاتصالات، أحدها مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، فأبلغه الأخير أن قرار توقيف إدلبي ودندشي جاء «بناءً على معلومات أمنية خارجية»، فرأى البعض أن هناك «أوامر» خارجية، ما جعل المحتشدين يصبّون جام غضبهم وهتافاتهم على المشنوق وتيار المستقبل، الأمر الذي أجبر حمود على الانسحاب من اللقاء.

ورغم أن اللقاء انفضّ من دون حدوث إشكالات أو الدعوة إلى تحركات تصعيدية، نبّهت المصادر السلفية إلى أن «تصرفات كهذه ستدفع كثيراً من الشبان إلى الارتماء في أحضان داعش التي رفع العشرات منهم راياتها في اعتصام مسجد التقوى، من غير أن تجدي نفعاً محاولات مشايخ ثنيهم عن ذلك».

وأبدت المصادر خشيتها من أن «الظلم والاستنسابية اللذين يلحقان بالإسلاميين في لبنان سيؤديان إلى صدام لا نريده مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية، لأنه لا مصلحة لنا فيه، وهي معركة خاسرة سلفاً لنا».

المشنوق: قرار

توقيف إدلبي ودندشي جاء «بناءً على معلومات أمنية خارجية»

ولفتت المصادر إلى أن «عشرات الإسلاميين يتم توقيفهم لمجرد ذهابهم إلى سوريا، من غير أن يكون لدى الأجهزة أي ملف عنهم في لبنان، ويرمون لأشهر في السجون، بينما حزب الله لا يتوانى عن إرسال مئات وآلاف من عناصره إلى سوريا، من غير أن يجري توقيف أحد منهم لدى عودتهم. وبعض المسلحين ممن أوقفوا في أحداث طرابلس الأخيرة لتعديهم على الجيش ومواطنين أطلق سراحهم بعد أيام، بينما هناك إسلاميون مرميون في السجون لمجرد الشبهة فيهم، ويرمون فوق ذلك بتهم الإرهاب». ولفتت المصادر إلى أن «أكثر من 100 شاب إسلامي غادروا طرابلس ولبنان إلى الخارج منذ بدء تطبيق الخطة الأمنية تجنّباً لتوقيفهم». وتوقعت أن «يرتفع الرقم أكثر في المرحلة المقبلة، وأن تكون المغادرة بهدف الالتحاق بتنظيم داعش تحديداً، بعدما التحق به المئات من المنتسبين إلى الجيش السوري الحرّ وجبهة النصرة وسواهما».

كل ذلك يدفع المصادر السلفية إلى الاعتراف بحقيقتين: «الأولى أن الساحة الإسلامية مشرذمة ومخترقة ومنقسمة، ولا قيادة موحدة وواعية تقودها، في لبنان أو خارجه، ما يجعل الإسلاميين لا يخرجون من مستنقع إلا ويقعون في مستنقع آخر». الحقيقة الثانية هي أن «جهات وقوى سياسية في لبنان تحديداً، مثل تيار المستقبل، تستخدم الإسلاميين بلا تردد في وجه خصومهم، ثم تبيعهم وتتخلى عنهم عند أول مفترق، للداخل مثل حزب الله والنائب ميشال عون، أو للخارج كالسعودية وأميركا وأوروبا، مع مفارقة أن هؤلاء في الداخل والخارج يكادون يختلفون على كل شيء، اللهم إلا توافقهم على مواجهة الإسلاميين وضربهم أينما وجدوا».