لا تكاد تمرّ ساعة دون أن تحمل معها جديدًا إقليميًا أكان على صعيد المواقف السياسة المشككة أو التطورات الميدانية على طول الجبهات المشتعلة من العراق الى سوريا مرورا بموجة الارهاب العابرة للدول والتي وضعت لبنان في عين العاصفة وحوّلته إلى ساحة سباق بين الارهاب والحرب الاستباقية باعتباره خاضغا للتداعيات ومرهونًا لأجندات إقليمية ودولية لا تسمح له بالتقدم في هذا الاتجاه أو ذاك بالرغم من المساعي الجدية لإخراجه من الدوامة.

وبمعزل عن المعلومات الميدانية المتضاربة الواردة من الميدانين العراقي والسوري حيث يؤكد كلّ فريق أنّ زمام المبادرة ما زال بيده هو، لا بدّ من التوقف عند الرسالة التي وجّهها الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز لمناسبة شهر رمضان المبارك وضمّنها عناوين كبيرة في سياق الحرب على الارهاب من دون أن يفصح عمّا إذا كانت بلاده ستنخرط في هذه الحرب أو ستبقى في موقع المتلقي، وذلك في ظلّ ما كشفته معلومات واردة من مراكز القرار في واشنطن مفادها أنّ هناك أثمانًا مرتفعة لا بدّ من دفعها لإبعاد خطر "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) عن الساحات العربية التي ما زالت تتمتع بشيء من الهدوء الحذر.

في هذا السياق، قرأ مراقبون في مضمون الرسالة السعودية نوعًا من التنصل خصوصًا أنّ هناك تلميحات الى دور "حزب الله" من خلال تنديده بالتيارات والأحزاب التي تسعى إلى زرع الفرقة بين المسلمين، من دون التطرق الى التنظيمات والمجموعات المسلحة وعلى رأسهم تنظيم "داعش"، ما يعني أنّ السعودية ما زالت على موقفها من التنظيم المذكور كما أنّ نظرتها الى التيارات والاحزاب ومنها "حزب الله" لم تتغيّر في المضمون وإن تغيّرت في الشكل.

وما يبرر هذا الاعتقاد بحسب المراقبين هو أنّ دبلوماسية المملكة تعرف جيدا كيف تختار عباراتها بعيدًا عن الالفاظ الرنانة، إضافة إلى أنّ ما يصدر عن الديوان الملكي هو الموقف الرسمي ليس فقط للمملكة بل للعائلة الحاكمة عمومًا والملك خصوصًا، فمواجهة ما وصفه عبد العزيز بالآفة أي الإرهاب تبدأ من تحديد الارهابيين وقادتهم ومموليهم قبل كل شيء ومن ثم الانخراط في منظومة دولية متخصصة بمكافحة الارهاب.

وقد تزامن الموقف الملكي السعودي مع ​الاحداث العراقية​ الميدانية وما نتج عنها من تبدلات في المواقع العسكرية، كما ترافق مع دخول مجموعاتٍ جديدة على خط المواجهة على الحدود العراقية السعودية في مسعى لوقف تقدم "داعش" نحو الحدود السعودية ما قد يؤسس الى مشهد جديد من شأنه أن يعيد خلط الاوراق لا سيما في حال نجاح المفاوضات الغربية الايرانية وما سيترتب عنها من أثمان في هذا الاتجاه أو ذاك، في ظل اعتقاد بأنّ هناك رابطاً وثيقًا بين حراك "داعش" في العراق والمفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن، مع الاشارة الى التناقض في المواقف حول دور "داعش" في كل من سوريا والعراق، ففي وقت يشكل فيه حراكها السوري مقاومة للنظام، تم وصف تحركاتها في العراق بالارهاب علمًا أنّ السفارة الاميركية في بغداد كانت على علم مسبق بكل ما كان سيحدث في العراق ما يدفع الى الاعتقاد بأنّ هناك صلة وصل بين كل ما يحصل في العراق والمملكة وايران وتركيا، وهو ما قد يتبلور في غضون الاسابيع القليلة المقبلة من خلال تبدلات جذرية في المواقف وتغييرات على مستوى القيادات في الدول المذكورة خصوصًا في العراق والمملكة التي أقرّت بضرورة تشكيل حكومة وفاق وطني في العراق ما يعني اعترافا ضمنيا بدور المالكي وهذا تطور جديد لا بد من أخذه بعين الاعتبار.