في الأشهر الماضية، كانت عمّان تعلن مراراً عن استهداف سلاح الجو الاردني لشاحنات محملة بالأسلحة العابرة للحدود مع سوريا بأي من الاتجاهين. يُقال ان المملكة كانت حينها تستهدف في كل مرة شاحنة وتوقف اخرى وتسمح للثالثة بالعبور. كانت عمّان ترضي كل الافرقاء. لا تقطع شعرة معاوية مع دمشق، ولا تشذ عن توجهات السعوديين ولا تخالف التعليمات الأميركية. لم ترتح المملكة الهاشمية بالطبع لتمدد المتطرفين سواء في "​جبهة النصرة​" او "داعش". تدرك عمان حجم مخاطر الإسلاميين على العرش الملكي.

صحيح أنّ "السلفيين" مضبوطون بأوامر الرياض كما الحال إزاء سلفيي مصر، لكن البيئة الحاضنة يرفدها نازحون سوريون وصدى انتصارت "داعش" باتت تشكل قلقاً لا تحد منه التطمينات الخليجية والأميركية للمملكة الهاشمية.

في الأسابيع الماضية، أفرجت السلطات الاردنية عن زعيمين بارزين للسلفية الجهادية: أبو محمد المقدسي، أستاذ أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس "داعش"، والثاني هو عمر محمود المعروف بـ"أبو قتادة" الذي برّأه القضاء الاردني في قضية "الإصلاح والتحدي".

إبراز المقدسي وأبو قتادة ليس صدفة، بل أتى ضمن خطة المملكة لسحب البساط الشعبي من تحت "داعش". لكن بيئة معان مثلا لا تطمئن عمان. بات صدى تقدّم "داعش" في العراق يُسمع أردنياً. داعشيون يحرّضون الأردنيين علناً على الانضمام للقتال معهم، لدرجة أنّ الدعوة أتت تحت عنوان: لتكن معان بوابة التغيير إن شاء الله. معان جزء من الشام.

كل المؤشرات توحي بأنّ "الداعشيين" لن يقفوا عند حدود العراق. الخريطة التي وزّعوها تضمّ الأردن والكويت ولبنان وفلسطين وسوريا. في تلك الدول تنشط "داعش": في العراق وسوريا قتال وسيطرة على منابع النفط والمياه، وفي لبنان وفلسطين والكويت والأردن خلايا نائمة أو مستيقظة للانتحار كما في لبنان أو للتخطيط في التوسع كما في باقي الدول المذكورة.

لن تكون المملكة الهاشمية بعيدة عن تمدّد "داعش"، فالخلافة المعلنة تضمّ الأردن والطموحات الداعشية لن ترضى بأقل من الدخول في المرحلة الأولى الى معان.

البيئة الحاضنة ستسهل، لكن هل تتفرج العشائر الاردنية؟

ما بعد الأردن تبدو الكويت والسعودية في عين "داعش". هناك من يتحدث عن دعم مالي سعودي للتنظيمات الأصولية، لكنّ تمدّد "داعش" ولّد القناعة لدى قياديّيها بالقدرة على إنشاء دولة مستقلة لا تحتاج لوصاية أحد. هي تملك منابع النفط في شرق سوريا الى العراق، وانهاراً وسدودَا المياه. الداعشيون يمولون "دولتهم" ذاتياً. لا حاجة لاموال خليجية ولا لدعم غربي.

إشارة التمدد أتت بتغريدة لداعشي هدد بهدم الكعبة، وقال أبو تراب المقدسي في تغريدته: "ان الكعبة الآن، أصبح ضررها اكثر من نفعها ونحن قادمون لتخليص الناس من العبادة من دون الله .... سنهدم الكعبة". هكذا كان خطابهم قبل دخول مناطق شرق وشمال سوريا والعراق.

في الساعات الماضية تعهد الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في رسالة بمناسبة حلول شهر رمضان بسحق المتشددين الإسلاميين الذين يهددون المملكة وقال إنه لن يتسامح مع شرذمة من الإرهابيين.

رغم استفادة الرياض سياسياً مما جرى في العراق، لكن وحش التطرف يكبر. لن يرضى الوحش بحكم ملكي هنا او أميري هناك. قالها تنظيم "داعش" بصراحة دولة "الخلافة"، يعني إزالة الحدود الجغرافية أمام تلك "الخلافة" ورسم الحدود الجديدة بالدم. لماذا تقف عند العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والكويت؟ البيئة موجودة في اليمن وليبيا وسيناء مصر ودول مغربية. لذلك قد تمدد "داعش" سيطرتها. يريدون تكرار تجربة العثمانيين من جديد. لا حدود لطموحاتهم، بعضهم يعتبر ان الخلافة الاسلامية بقيت حتى انهيار السلطنة العثمانية. الداعشيون في عزهم يخططون ويحققون. هل يكون تضخيم أمرهم تشريعاً لضربهم؟ لمَ لا؟!