يبدو أنّ لبنان أصبح عنواناً أول على لائحة التكفير المذهبي والطائفي لمحاولة إحراج مسيحييه وإخراجهم، تمامًا كما حصل في العراق ومصر وسوريا وغيرها من دول المنطقة الغارقة في صراع دموي يأخذ أبعادًا دينية في أغلب الأحيان.

بالأمس تمّ تهديد كنائس لبنان واعتبارها "كنائس شرك يجب تطهيرها"، كما عادت إلى الواجهة عباراتٌ طائفية تعيدنا مئات الأعوام إلى الوراء، وذلك من خلال سلسلة "تغريدات" لما يُسمّى "لواء أحرار السنّة بعلبك" عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حيث أعلن "توكيل مجموعة خاصة من المجاهدين الأحرار لتطهير إمارة البقاع الإسلامية بشكل خاص ولبنان بشكل عام من كنائس الشرك"، على حدّ تعبيره، وذهابه لحدّ التلويح بأنّ هذه المجموعة "ستعمل على إستهداف الصليبيين في الإمارة ولبنان لإيقاف قرع أجراس الشرك"، كما قال.

لكنّ هذه التهديدات لا تلقى صدىً عند اللبنانيين، باختلاف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم، وهم الذين يدركون أنّ تنوّعهم هو نعمة لن يسمحوا بأن تتحوّل إلى نقمة، ومن هنا يتّحد رجال الدين على رفض ما جاء في "تغريدة" لواء احرار السنة بعلبك، وإن اختلفت التفسيرات والتأويلات لها. وفي هذا السياق، يعتبر مفتي البقاع ​خليل الميس​ هذا الكلام كلامًا مخابراتيًا بامتياز يهدف لتشويه الاسلام والسنّة. ويضيف المفتي الميس في حديث لـ"النشرة": "هذا تنظيم مزور ولا وجود له"، ويسأل: "إن كان موجودا فلماذا لا يُظهر نفسه لنتحدث معه ونعرف أهدافه؟"

وفيما يشير الميس إلى أنّ أجهزة المخابرات الدولية المسؤولة عن تغذية "داعش" هي نفسها المسؤولة عن هذا الكلام المسيء، يلفت إلى أنّ صدور مثل هذا الكلام في هذا التوقيت بالذات مرده إلى وضع المنطقة ككل ووضع لبنان بالتحديد وهو من أجل أن يقولوا انظروا بأيّ أمور يأتي الاسلام، كما يشدّد الميس على وحدة البقاع واهله، ويقول: "ثقافتنا هي العيش معاً كمسلمين ومسيحيين".

ولا يختلف رأي راعي ابرشية زحلة والبقاع للسريان الاورثوذكس المطران ​بولس سفر​ عن موقف الميس، مع تأكيده على أنّ الكنيسة لن تتهاون في موضوع أمنها وهي ستتخذ إجراءات احترازية في محيط الكنائس بالتنسيق مع القوى الامنية. ويقول في حديث لـ"النشرة": "منذ ثلاث سنوات تم تفجير كنيسة السيدة للسريان في زحلة ولذلك لا يمكننا إلا أن نأخذ التهديدات التي صدرت بالامس على محمل الجد، إلا أننا بنفس الوقت لن نهلع أو نخاف ولن نخلق حالة رعب عند الناس".

ويرى المطران سفر "أننا نعيش في مرحلة من الفوضى ولذلك فكل شيء ممكن"، مشددا على أنّ الجميع سيعملون لعدم وصول الناس لمرحلة الخوف من زيارة الكنيسة مما قد يؤدي الى بعدهم عنها.

من جهته، يأسف النائب البطريركي العام المطران ​سمير مظلوم​ لصدور هذا الكلام الحاقد في بلد مثل لبنان المعروف بتعايش اهله وتلاقيهم. ويسأل: "من أعطى هؤلاء الحق بالتحدث بهذه الطريقة وباسم من يتحدثون؟".

ويضيف المطران مظلوم في حديث لـ"النشرة": "نحن ننتظر من المسؤولين الدينيين والسياسيين الاسلاميين، موقفا واضحا من هذا الكلام، وننتظر من الدولة أن تقوم بحماية مواطنيها ومقدساتهم". كما يدعو المسؤوليين السياسيين لتحمل مسؤولياتهم في هذا الوقت الصعب من تاريخ لبنان،عبر الحوار والتفاهم وتركيز أسس الدولة بدءا من انتخاب رئيس جديد للجمهورية مرورا بانتخاب مجلس نيابي جديد وصولا الى تشكيل حكومة قوية قادرة على العمل.

ويلفت مظلوم النظر إلى أنّ الله خلق الانسان حرًا وأعطاه عقلا ليختار طريقه ولم يعط وكالة لأحد من أجل أن يفرض على الناس دينهم، مؤكدا أنّ كلّ الأفكار الحاقدة ستبقى بعيدة عن ثقافة اللبنانيين ووحدتهم وعيشهم المشترك. ويقول: "لن نسمح لأصحاب الأفكار الظلامية أن يغيّروا تاريخنا".

عندما يتم الحديث عن كنائس البقاع فإنّ مدينة زحلة هي أول ما يخطر على بال احد، خصوصا وان زحلة هي اكبر مدينة مسيحية بالشرق الاوسط، وفي هذا السياق يشير رئيس بلديتها جوزيف دياب المعلوف إلى أنّ واجب حماية المدينة واهلها يقع على عاتق الدولة اولا واخيرا، مشددا على ان دور البلدية على الصعيد الامني يبقى محدودا جدا.

ويضيف المعلوف في حديث لـ"النشرة": "نحن نحترم الجميع ولن نسمح لبعض الخوارج عن الدين ان يغيروا عاداتنا وثقافتنا وارادتنا بالعيش المشترك".

لبنان كطائر الفينيق، والطائر يطير بجناحين، وجناحا لبنان هما الاسلام والمسيحية، وبالتالي فإن انكسار أحدهما يعني سقوط لبنان. ومن هنا فإنّ أصوات بعض التكفيريين لن تغير حقيقة الديانات السماوية الداعية للحب والسلام، وسيبقى جرس الكنيسة "يقلق" آذان هؤلاء ليكون الرد الانسب على تهديداتهم وحقدهم وتكفيرهم.