حذت غزَّة حذو المقاومة الفلسطينية في العام 2012؛ يوم نجحت لغة الصواريخ في إيذاء الصهاينة داخل مربَّعاتهم الآمنة، وفرضت يومذاك وقف نار مع العدو "الإسرائيلي" وفتح المعابر، رغم أن الصواريخ الأولى التي أشعلت تلك الحرب كانت من طرف "الجهاد الإسلامي" وليس من "حماس"، سيما أن خالد مشعل كان قد انتقل من دمشق إلى الدوحة وأعلن يومذاك المقاومة السياسية، إضافة إلى أن رئيس حكومتها المقال إسماعيل هنيَّة استقبل لاحقاً أمير قطر السابق حمد بن خليفة مع هبة أربعمئة مليون دولار لغزَّة، مشروطة بعدم إطلاق صواريخ على "إسرائيل".

في أي حال، يرى المراقبون أن اختطاف المستوطنين "الإسرائيليين" الثلاثة وقتلهم في الضفة الغربية ليس لضرب الوحدة الفلسطينية ضمن حكومة المصالحة الوطنية، لأن الفلسطينيين أصلاً منقسمون - مع الأسف الشديد - بين قوى وفصائل منذ العام 48، وهم حكماً لن يتوحَّدوا بحكومة أو بدونها، لأن لكل فصيل جماهيره في الداخل، وضمن مخيمات الشتات، وله أيضاً مرجعيته الإقليمية، بل يبدو اختطاف المستوطنين وقتلهم وكأنه عمل مخابراتي إقليمي متقن لاستدراج "إسرائيل" إلى حرب ليس على غزَّة، بل على "حماس" التي صنّفت تنظيماً إرهابياً من قبَل بعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية، وكانت البداية بإقفال معبر رفح الذي كان قد شرَّعه محمد مرسي مع غزَّة، وما نتج عنه من تغلغل للمتطرّفين في سيناء، واعتداءاتهم المتكرّرة على القوات المسلَّحة المصرية.. واليوم، فإن إقفال هذا المعبر حتى بوجه الحالات الإنسانية الناتجة عن الاعتداءات "الإسرائيلية" الحالية على غزة يؤشّر إلى أن الحرب التي بدأتها مصر على "حماس" بالضغط عليها للقبول بتشكيل حكومة فلسطينية تنهي 7 سنوات من سلطة الأمر الواقع على غزّة عبر حكومة مقالة تأوي "متشدّدين إسلاميين"، تستكملها مصر حالياً بالتناغم مع "إسرائيل" لتحجيم "حماس" وتدفيعها ثمن دعمها لـ"الإخوان" في نشر التسيُّب في سيناء وتهديد أمن مصر، لا بل مصير ثورتها ونظامها السياسي الجديد.

ومع موافقة الرئيس محمود عباس على "الورقة المصرية" المدعومة سعودياً لوقف إطلاق النار مع "إسرائيل"، برزت في المقابل ورقة قطرية - تركية، وسافرعباس إلى تركيا لاستخدام "المَونَة" التركية على "حماس"، لإبعاد شبح الغزو البرّي الشامل عن غزَّة، وعن المواجهة الإقليمية الجديدة بين السعودية ومصر من جهة، وقطر وتركيا من جهة ثانية، وبين "مصر - السيسي" وكلّ من قطر وتركيا من منطلق الثأر للقوات المسلحة المصرية من جهة ثالثة.

أما عن لقاء عباس بخالد مشعل فلم يقدّم أو يؤخر شيئاً مادام الأخير رفض دعوة نبيل العربي لزيارة مصر، نتيجة ضغط قطري - تركي، ولذلك سيستمر الفلسطينيون الغزّاويون في دفع الثمن، رغم الرعب الذي تُحدثه صواريخ المقاومة الفلسطينية في الداخل الصهيوني، ما يفترض أن يؤدي إلى هدنة تترافق مع فتح المعابر التي خنقت غزَّة قبل العام 2012، ما يجعل القطاع هذه المرّة واقعاً بين فكَّي كماشة المعابر "الإسرائيلية" - المصرية، إضافة إلى القرار المصري الحاسم الحازم بحفر نفق يتم تنفيذه حالياً على طول الحدود مع القطاع، لتعويمه بالمياه ومنع إمكانية إعادة حفر الأنفاق نهائياً، مع ما كانت تعنيه هذه الأنفاق من شرايين حياة لاستمرار بعضٍ من حياة في غزَّة عند إقفال المعابر.. وبانتظار ما سيُسفر عنه الاجتياح البرّي "الإسرائيلي" للقطاع، فإن غزة في مواجهة إقليمية حاسمة مع "إسرائيل" بسيناريو مصري وإخراج سعودي لأحدث مسلسل في "ربيع العرب"، ينتهي بـ"قطاع ما بين النهرين"، أحدهما يُحفر من جهة الحدود المصرية، والثاني سيُحفر من "الحدود الإسرائيلية".