للمرّة الثانية على التوالي، يُطرَح موضوع تمديد ولاية المجلس النيابي اللبناني على بساط البحث بشكل جدّي، بحجّة أنّ الأوضاع الأمنية لا تسمح باجراء الإنتخابات في هذه المرحلة، بعد أن كانت جولات العنف في مدينة طرابلس قد منعت حصولها قبل نحو عام ونصف، بالرغم من أنّ المجلس الحالي لم يتمكن من إنجاز أي شيء يذكر بسبب تعطيل عمله الناتج عن الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية المختلفة.

بعد التمديد الأول، وضع المجلس نصب عينيه العمل على إقرار قانون إنتخابي جديد، بعد فشله في الوصول إلى إتفاق حول هذا الأمر، والحكومة الحالية التي تشكلت بعد أشهر طويلة من تكليف رئيسها تمام سلام، كانت مهمتها الأساسية الإشراف على هذه الإنتخابات، قبل أن تتحول إلى وضع مشروع قانون لم يقدم إلى المجلس النيابي بعد.

إذا، قبل أشهر قليلة من موعد إجراء الإنتخابات النيابية المنتظرة، "طار" الإستحقاق بحجة الأوضاع الأمنية، مع العلم أن التوترات التي تحصل بين الحين والآخر مقتصرة على بعض المناطق، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، ما يؤشر إلى غياب الرغبة في وضع حد لحالة الجمود القائمة.

تنطلق هذه المصادر في حديثها، من الإشارة إلى أن هذه الأوضاع لم تحل دون قيام النازحين السوريين في لبنان من إنتخاب رئيسهم في لبنان على مدى يومين باشراف الأجهزة الأمنية اللبنانية، وتلفت إلى أن البلدان المجاورة التي شهدت إنتخابات رئاسية أو برلمانية لا يبدو فيها الوضع الأمني أفضل مما هو قائم في لبنان، لا سيما في مصر وسوريا والعراق، وتوضح أن هذه البلدان الثلاثة تمكنت من إنجاز إستحقاقاتها بالمواعيد المحددة من دون أي تعقيدات، في حين يعجز لبنان عن ذلك، سواء كان على الصعيد النيابي أو الرئاسي.

من وجهة نظر هذه المصادر، يمكن البحث عن حلول عملية لمعالجة الخلل الأمني في حال وجوده فعلياً، من خلال عدم إجراء الإنتخابات في كل لبنان في يوم واحد، ما يسمح بتشديد الإجراءات في الأماكن التي تشهد معارك إنتخابية من دون أن يؤدي ذلك إلى ترحيل الإستحقاق الدستوري من جديد، خصوصاً مع احتمال أن يكون مقدمة لمعالجة أزمة الإنتخابات الرئاسية التي تدور في حلقة مفرغة، بالإضافة إلى إمكانية تأجيل العملية الإنتخابية في الدوائر التي تحول الأوضاع الأمنية دون إجرائها إلى مدة محددة، من دون تعطيلها، بالرغم من أنها مؤمنة بإمكانية حصول ذلك، خصوصاً أن الأجواء في عامي 2005 و2009 لم تكن أفضل بكثير عما هي عليه اليوم.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما يحول دون الذهاب إلى الإنتخابات النيابية ليس الأوضاع الأمنية، بل الرغبة في عدم الإخلال بالتوازن القائم إلى حين وضوح معالم مستقبل المنطقة، خصوصاً أن مختلف القوى الدولية والإقليمية لا مصلحة لها بهذا الأمر، لا سيما أن الملف اللبناني ليس أولوية بالنسبة إليها، كما أن إجراء الإنتخابات على أساس القانون النافذ حالياً، أي قانون الستين الذي تم التوافق عليه في الدوحة، لن يغير ما هو قائم إلا نسبياً، والإتفاق على قانون جديد خلال الفترة المتبقية من سابع المستحيلات.

من حيث المبدأ، تتوافق مختلف القوى على ترحيل الإستحقاق النيابي في هذه المرحلة، لأنّ الوقت ليس مناسباً لها، وليس بسبب الوضع الأمني، ومن الممكن معالجة هذا الأمر فيما لو كانت راغبة بذلك، لكن هذه الرغبة غير موجودة حالياً، "ومن الأفضل التأجيل حتى يخلق الله ما لا تعلمون". بالإضافة إلى ذلك، لا تستطيع مختلف الجهات تأمين الأموال اللازمة لهذا الإستحقاق حالياً، كما أن الوقت ليس مناسباً للدخول في الخلافات جانبية جديدة، فالجميع لا يريد أن "يوجع رأسه" في هذا الأمر حالياً.