يعتبر ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الارهابيين(1)، من أصعب الملفات العالقة في مواجهة الحكومة الحالية. لا شك أنه ليس الملف الشائك الوحيد، ولكنه يبقى الأهمّ كونه مرتبط بشكل وثيق بالملفين الامني والسياسي في آنٍ معاً. فتداعيات هذا الملف مرتبطة بالارهاب الذي بات أولوية على الأجندة الاقليمية-الدولية، وبالوضع السياسي في لبنان المتداعي في الأصل بدليل تجميد الانتخابات الرئاسية والحديث المتنامي عن التمديد للمجلس النيابي.

وبعد أسابيع على اختطاف العسكريين، بدأت الحكومة تشعر بثقل هذه القضية، كما شعرت بأنّ الأمور أكبر من أن يتولاها وسيط محلي تمثل بهيئة العلماء المسلمين التي انسحبت من سباق المفاوضات سريعاً(2). بعدها، بدأت عبارة تتردد على لسان رئيس مجلس مجلس الوزراء ​تمام سلام​ والوزراء ومفادها أنّ لدى الحكومة "أوراق قوة" يمكنها اللجوء إليها في هذا الملف. وشيئاً فشيئاً بدأت مقومات هذه الاوراق تظهر ولو تمت إحاطتها بالسرية بشكل فاعل، مع العلم أنها لا تعكس "قدرة خارقة" للحكومة، ولكنها اوراق تستفيد منها السلطة التنفيذية في لبنان، وأبرزها:

- الانتقال مباشرة الى الجدية عبر تكليف قطر وإدخال تركيا في المسألة ويقيناً، أنّ البلدين كانا ينتظران اشارة للتدخل، وكانا يعلمان أنّ دورهما في صفقة إطلاق سراح مخطوفي اعزاز وراهبات معلولا سيجعلهما حاضرين بشكل فاعل وبصورة مباشرة ورسمية في ملف العسكريين المخطوفين، إضافة إلى ما يمثلانه بالنسبة الى التنظيمين المذكورين والمعارضة السورية بشكل عام.

- الورقة الثانية كانت إدخال مدير عام الأمن العام اللواء ​عباس ابراهيم​ على الخط بشكل رسمي، وهي خطوة مكملة للتي سبقتها، نظراً إلى المكانة التي استطاع اللواء ابراهيم تكوينها لنفسه عبر الملفين السابقين اللذين نجح في توليهما (مخطوفو اعزاز وراهبات معلولا) عبر القنوات نفسها. ولعلّ أبرز ثمار هذه الخطوة ما أعلن عنه بنفسه من قطر قبل ساعات حين قال أنّ "الدولاب بدأ يتحرك إنما ببطء".

- الورقة الثالثة تتمثل بالتدخل العسكري للجيش اللبناني بطبيعة الحال، لتضييق الخناق على المسلحين في جرود عرسال، وتكثيف العمل الاستخباراتي للاقتصاص منهم أياً كان الثمن. ويُلاحَظ على هذا الصعيد "الاهتمام الزائد" في الآونة الاخيرة بتسليح الجيش (تسلم صواريخ هيلفاير اميركية ولو بكميات قليلة، والبحث جار مع روسيا بشكل جدي لاستقدام أسلحة يستفيد منها الجيش ميدانياً في معارك كهذه)، إضافة إلى وجود تنسيق عال بين الجيش والقوى الامنية بشكل عام من جهة، واستخبارات الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة من جهة ثانية لتعقب تحركات الارهابيين. وقد أثبت هذا التنسيق مفعوله في وقت سابق ليس ببعيد عبر كشف خلايا ارهابية والقاء القبض على ارهابيين خطيرين.

- الورقة الرابعة تمثلت باحتواء تحرك أهالي العسكريين المخطوفين والذي كان ينبىء بحصول عواقب وخيمة في الشارع لولا احتوائه. ولا يمكن إغفال الدور الكبير الذي لعبه السياسيون من الطائفتين السنّية والشيعية للتخفيف من "نقمة" الاهالي الذين يخافون على أرواح أولادهم وهم على استعداد للتضحية بكل شيء في سبيل استعادتهم سالمين.

- الورقة الخامسة هي الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة تمام سلام إلى قطر والتي تعيد إلى الاذهان تحرك سلفه نجيب ميقاتي ووزير الداخلية في حينه مروان شربل حين كانت المفاوضات لاطلاق سراح مخطوفي اعزاز قائمة. وكان لا بد من هذه الزيارة لاضفاء طابع رسمي وشرعي للتحرك القطري، وهو أحد الأمور التي تهمّ قطر خصوصاً وأنّ لبنان "محسوبٌ" خليجياً وعربياً على السعودية.

- الورقة السادسة "سلّفها" حزب الله للحكومة عبر الحرص على عدم تدخله في الموضوع، رغم محاولة "جرّه" اليه عبر الفيديوهات التي تنشرها "جبهة النصرة" و"داعش" والتي تظهر العسكريين يطالبون بخروج حزب الله من سوريا. ولو قام الحزب برد فعل لكانت الامور اخذت منحى مغايراً تماماً لما هي عليه اليوم.

- الورقة السابعة هي قضية النازحين السوريين وموقوفي سجن رومية والمسلحين الذين باتوا في قبضة الجيش، حيث لم تنتشر الفوضى في شأنهم بعد، فخفّت نسبة "الانتقام" من السوريين في المناطق اللبنانية، وبدأ الحديث عن وجوب تسريع المحاكمات بحق الموقوفين، فيما تم نقل المسحلين الجرحى الى مستشفى بيروت الحكومي للعلاج.

ليست هذه الاوراق بالطبع كل ما تملكه الحكومة، ولكنها تعطي لمحة عن خياراتها العديدة، ويمكن القول أنّ كيفية تصرف الحكومة بهذه الاوراق وغيرها سيكون حاسماً لملف العسكريين المخطوفين، فهل ستحسن فعلاً استعمالها؟

(1)في الثاني من آب الفائت، شن مسلحون من تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" هجوماً على نقاط عسكرية للجيش اللبناني ومراكز لقوى الامن في بلدة عرسال، ودارت مواجهات عنيفة سقط خلالها شهداء للجيش اللبناني الذي استطاع السيطرة على مراكزه. وفي الثالث من آب، أعلن التنظيمان عن خطفهما لعناصر من الجيش والامن الداخلي.

(2)في 22 آب الفائت، أعلنت هيئة العلماء المسلمين بعد لقائها رئيس الحكومة تمام سلام، تعليق وساطتها، "إفساحا في المجال أمام أطراف اخرى قد تكون لها قدرة على تسوية ملف المخطوفين".