بعد استفحال أزمة النازحين السوريين الى لبنان، وبعد أن تخطوا بأشواط قدرة هذا البلد على استيعابهم، ومع تزايد المخاطر الاجتماعية والامنية التي ترتبت على وجودهم بهذه الأعداد الكبيرة، قرّرت الحكومة اللبنانية عدم استقبال المزيد منهم(1).

القرار بحدّ ذاته يعتبر مصدر راحة واطمئنان بالنسبة الى اللبنانيين، ولو أنه جاء متأخراً جداً، ولكن أن يُتّخَذ القرار متأخراً أفضل من عدم اتخاذه مطلقاً. إلا أنّ هذا الارتياح سرعان ما يتبدّد لأننا في بلد اسمه لبنان حيث المسؤولية فيه ضائعة، والمسؤولون فيه اكثر ضياعاً.

ويمكن توصيف قرار الحكومة هذا، بأنه "جرعة مورفين" لتهدئة الأعصاب وتطييب الخواطر، لكنه وللأسف غير قابل للتنفيذ لأسباب كثيرة نعرض في ما يلي أبرزها:

- كيف يمكن لحكومة تنفيذ قرارها في ظل الشكاوى المتعددة من عدم القدرة على ضبط الحدود، في ظل المعابر الحدودية غير الشرعية التي كانت السبب الرئيسي في وصول العديد من الارهابيين والاسلحة إلى مناطق لبنانية عدة، إضافة إلى تهريب سيارات مفخخة أو معدّة للتفخيخ... ولا يمكن في هذا السياق الركون إلى أنّ الجيش اللبناني وحتى "حزب الله" قطع هذه المعابر كلها، لأنّ الطبيعة الجغرافية ونقص الامكانات يُعتبران السبب الرئيسي للجزم بأنه لا يمكن إقفال كل المعابر غير الشرعية.

وبالتالي، سيقتصر قرار الحكومة على المعابر الشرعية الخمسة (المصنع، العبودية، القاع، تلكلخ، العريضة)، وهو أمرٌ لن يؤثر بشكل مباشر على خفض عدد النازحين، لأنّ غالبيتهم تعتمد المعابر غير المعروفة من قبل الدولة وأجهزتها.

- معلوم أنّ قرار وقف استقبال النازحين، سياسي وغير مرتبط بتاتاً بالمصلحة اللبنانية، وإلا لكان هذا القرار اتخذ منذ بداية الاحداث السورية أو على الأقل حين ارتفع منسوب التهديد الديموغرافي والاجتماعي والأمني المترتب عن تدفق النازحين السوريين، بدل الانتظار حتى وصل الى ما بعد الخطوط الحمراء.

وطالما أنّ القرار السياسي الدولي والاقليمي لم يتخذ بعد بوقف استقبال النازحين، فسيتواجد هؤلاء في لبنان ساعة يشاؤون، ولن يأخذوا الاذن من اي مسؤول لبناني.

- أتى هذا الموقف في ظل الحديث عن إقامة مخيمات للنازحين السوريين في لبنان، وهو الأمر الذي أحدث شرخاً اضافياً في مواقف اللبنانيين عموماً والوزراء خصوصاً. ولا شك أنّ نجاح هذه الفكرة (ولو أنّ حظوظها شبه معدومة لاعتباراتٍ عدّة)، سيزيد الرغبة في استقبال نازحين جدُد، تحت ذريعة أنه تمّ ضبط الامور والأوضاع ويمكن حصر النازحين في أماكن معينة، ولن يشكلوا بعدها أيّ خطر.

- إنّ اغلاق الباب امام النازحين في الدول الاخرى المجاورة لسوريا (العراق، تركيا، الاردن)، سيجعل من لبنان المنفذ الوحيد للنازحين بأي طريقة شرعية كانت ام غير شرعية، وعبر كل منفذ يمكن ان يؤدي الى الدخول الى الاراضي اللبنانية. ومن الطبيعي ان يشعر النازح السوري في لبنان بضغط اقل بكثير مما يشعر به في اي دولة اخرى، بدليل ان قسماً كبيراً من النازحين دخل الى لبنان دون علم السلطات ولا المؤسسات الانسانية المحلية والدولية، ولا الامم المتحدة، وهو يعيش في لبنان على قاعدة "كل يوم بيومه"، ولا يعرف مكان وجوده او مركز عمله او عدد افراد عائلته، او حتى اسمه الحقيقي....

- علاقة القربى والجوار والاحتضان السياسي للنازحين السوريين، سيحول حتماً دون إمكان تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية. ومن المؤكد ان الدور الذي يلعبه ​النازحون السوريون​ في لبنان حالياً وفي المستقبل، لم ينته بعد، ولن يكون من المنطقي بالنسبة الى المصالح الاقليمية والدولية ان يتم ايقاف موجة النزوح بـ"كبسة زر". فالسيناريو الموضوع والذي من أجله "اجتاح" النازحون السوريون لبنان، لم يكتمل بعد ويحتاج الى وقت، ما يعني أنّ الأمور لن تتغير في ما خصّ تدفق النازحين، حتى إشعار آخر.

إنّ هذه الأسباب وغيرها تظهر بوضوح أنّ قرار الحكومة وقف استقبال النازحين السوريين غير قابل للتنفيذ، وان اتخاذه كان أقرب إلى إعادة الاعتبار والمعنويات بعد سلسلة انتكاسات، أكثر منه اتخاذ قرار سيتم تنفيذه بجدية وصرامة، اللهم ما لم تطرأ تغييرات جذرية فجائية على السياسة الاقليمية والدولية تصب في مصلحة لبنان...

(1)أكّد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، في حوار أجراه مع صحيفة "النشرة" الالكترونية بتاريخ 16/9/2014، أنّ اللجنة الوزارية التي كلفتها الحكومة اللبنانية التعامل مع ملف النزوح السوري قررت وبشكل نهائي وقف استقبال مزيد من اللاجئين السوريين في لبنان، مشيرًا إلى أنّه يتم حاليًا وضع الآليات اللازمة لتنفيذ هذا القرار بإشراف المفوضية العليا لشؤون النازحين وممثلين عن وزارة الشؤون الإجتماعية.