تجري الانتخابات النيابية في الدول، لا سيما منها تلك التي تعتمد النظام البرلماني، لتداوُل السلطة عبر عملية ديمقراطية، لاستفتاء الشعب، الذي هو مصدر السلطات، وإليه يعود ممثلوه أو الحكام في تجديد الثقة أو سحبها.

أما في لبنان الذي يمتاز بالحرية، فإنه قليل الممارسة للديمقراطية، لأن بنيته السياسية قائمة على الطائفية والإقطاعية والرأسمالية، وجلبت له الويلات والأزمات والحروب، لأن السلطة فيه لا تتغير، والشعب لا يتغير، وعندما يحاول الواعون منه العمل باتجاه التغيير أو التطوير في النظام كحدٍّ أدنى، يقوم أركان النظام السياسي الطائفي بتغيير البوصلة نحو الاقتتال الأهلي، مقدّمين خطاباً طائفياً، للإبقاء على أنفسهم في السلطة.

في كل دورة انتخابية هناك أزمة مع قانون الانتخاب الذي عليه يتوقف تكوين السلطة، فإذا كان يعتمد التوزيع الطائفي، فمجلس النواب سيكون طائفياً، وأعضاؤه سيجتمعون بطوائفهم ومذاهبهم ليقدموا مصالحها على مصالح الوطن، فيقع التناقض بين ممثلي الطوائف، لتُشحن النفوس وتُعبَّأ الغرائز.. وتقع الكارثة على الوطن.

مجلس النواب لم يقم بالإصلاحات السياسية المطلوبة للنظام بعد اتفاق الطائف، وأولها قانون الانتخاب الذي نص على أن يكون خارج القيد الطائفي بعد أول انتخابات نيابية، وهو ما لم يحصل، بل تمّ التراجع نحو قانون الستين، الذي أعيد العمل به في اتفاق الدوحة في أيار 2008، والذي يُنسب إليه أنه كان سبباً من أسباب التأسيس للحرب الأهلية عام 1975، وإذا بالعودة إليه تدفع البعض إلى أن ينزلق نحو طرح مشروع سمي بـ"الأرثوذكسي"، يقوم على انتخاب كل طائفة نوابها، وهو ما يكرّس الطائفية السياسية.

إذاً، الانتخابات النيابية هي محطة سياسية عند الشعوب المتحضّرة التي تحترم ممارسة الديمقراطية، وهو ما يجري في العديد من الدول، وتتم محاسبة من هو في السلطة على أدائه، فأما أن تُجدَّد له الثقة والوكالة، أو تسحب، أما في لبنان فإن ما يحصل هو مناقض للديمقراطية، ومنافٍ لحق الشعب في تقرير مصيره السياسي والوطني، إذ يقرر النواب التمديد لولايتهم دون مراجعة موكّليهم، وهو ما حصل في العام 2013 في التمديد لـ17 شهراً، وسيتكرر في 2014، بالرغم من مظاهر الدعوة إلى إجراء الانتخابات التي وإن حصلت فلن تكون نتائجها مختلفة كثيراً عن الدورات السابقة، لأن الطبقة السياسية نفسها ستفوز بالمقاعد، والتناسل العائلي نفسه ليستمر موجوداً في مجلس النواب، وسيرث الابن والده، والشقيق شقيقه، وهكذا دواليك، كما أن الأحزاب ستستنتخ الأشخاص أنفسهم منذ أكثر من عقدين.

لذلك، ليست الانتخابات النيابية مناسبة عند اللبنانيين للتغيير، فهم لا يتحمسون لها، ونسبة المقترعين تتراجع مع كل دورة، ويتناقص عدد المرشحين، لأن النتائج محسوبة سلفاً على قانون انتخاب مفصَّل على مقياس الزعماء، وليس كما يريد الشعب الذي ملّ ممثلية، وينظر إليهم على أنهم مفرضون عليه، وهو لا يكترث إن مددوا أو لم يمددوا، وهي حالة يأس لدى شعب قرر أن يستكين، إلا من بعض حالات تمرّد ورفض وتعبير عن سخط، لكنها عاجزة أمام قوة الطائفية ونفوذ الإقطاع واستخدام المال السياسي.