من منّا يستطيع تملك شقة في لبنان؟ من منّا يستطيع شراء سيارة نقدياً؟ من منّا تصل مدخراته الشهرية إلى الف دولار؟

لن أعطي نسبة محددة لكنني أكاد أجزم أنّ أغلبية الشباب اللبناني لا يستطيع القيام باي شيء مما ذكر اعلاه...

بتاريخ 10-10-2014، وفي تقرير اخباري على قناة "ال بي سي"، أتحفنا رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل بحلّ سحري لهذه المعضلة: على محدودي الدخل أن "يصمّدوا"، أي يدخروا، ليستطيعوا تحقيق أحلامهم بمسكن لائق..

إنه اغتيال لاحلام الشباب اللبناني.. اغتيال تحقق بطلقة قاتلة عبر تعميم صادر عن مصرف لبنان بتاريخ 21 آب 2014 يقضي بأن لا تعطى قروض تجزئة لشراء سيارة أو شقة إلّا في حال دفع طالب القرض 25 بالمئة من سعر السيارة أو المسكن موضوع القرض.. فماذا يعني هذا الأمر؟

إنّ أبسط حلم لدى أيّ شاب لبناني هو تملك مسكن يليق بتأمين حياة عائلية كريمة، وإذا افترضنا أنّ شابًا وشابة يريدان الزواج، فإنّ حاجتهما لمسكن من أربع غرف هو أضعف الايمان.. أضعف الايمان هذا يكلّف في وقتنا الحالي باقل تقدير 140 ألف دولار، أي وبعملية حسابية بسيطة وطبقاً للتعميم الجديد فانه على الزوجين المستقبليين ان يؤمّنا مبلغ 35 الف دولار كدفعة اولى للمصرف حتى يحصلوا على قرض بباقي المبلغ الذي يقسطونه بمعدل 800 دولار شهرياً لعشرات السنوات...

وبحسبة صغيرة فإنّ أيّ شاب يريد شراء مسكن خلال 3 سنوات، عليه أن يدّخر مبلغ 1000 دولار شهرياً. ومن منّا يستطيع ادخار هكذا مبلغ؟ بعضنا يفتخر بان مجمل راتبه يصل الى الألف دولار، هذا اذا اردنا تحييد مصاريف شراء اثاث المنزل ومتطلبات الزواج من عرس وذهب للعروس..

باختصار.. عزيزي الشاب، لقد حكم عليك مصرف لبنان بالادخار الشاق لمدة لا تقل عن عشر سنوات حتى تستطيع التفكير بالاستقرار و تملك مسكن!

قد يقول البعض ان الوقت ليس مناسبًا لطرح الموضوع خاصة أنّ المنطقة تغلي على نار التجاذبات السياسية لمحاور القيادة العالمية وداعش على الابواب، لا مجلس نيابي فعّال ولا رئيس للجمهورية ولا حكومة فاعلة وقادرة.. كلّ هذا صحيح، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ المواطن اللبناني ومنذ ما بعد الحرب اللبنانية يتحمّل البطالة وانقطاع الكهرباء وانعدام الامن والمهاترات السياسية بصدر رحب..

ورغم صعوبته كان التملك ممكنًا، عندما كانت نسبة الدفعة الاولى من أيّ قرض لا تتعدى العشرة بالمئة، ولكن الآن تقاتل الدولة اللبنانية الارهاب وتقتل في ذات الوقت أحلام آلاف الشباب، فهل هذه مكافأتنا نحن الشباب؟ هل هكذا نكافأ على ثباتنا في هذا البلد وإصرارنا على العمل فيه؟ هل هذا مصيرنا لاننا لا زلنا نؤمن بامكانية قيام دولة؟

يا اصحاب القرار.. يا سعادة النواب.. وحضرات المسؤولين.. يا فخامة الرؤساء.. يا اولياء امر هذا البلد... يا حاكم مصرف لبنان.. لقد اغتلتم ابسط احلامنا.. لا تجعلونا نكفر بكم.. لا تجعلونا نشعر انّنا مجرد ارقام في احصاءاتكم.. تراجعوا عن هذا القرار.. والّا فتحمّلوا وزر قتلنا ونحن احياء...