يبحث رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ عن كسب ودّ عناصر "​جبهة النصرة​"، الموجودين على الحدود اللبنانية السورية من الجانب الجنوبي، متناسياً وضع الجبهة على لوائح الإرهاب العالمية، وتمثيلها لـ"​تنظيم القاعدة​" في المنطقة، متذرعاً بأنّ عناصرها هم من المواطنين السوريين.

يريد "البيك" أن يقنع الرأي العام المحلي والعالمي بالفصل بين "النصرة" و"داعش"، دون أن يتنبه إلى أنّ الخلاف بين الجانبين هو تنظيمي لا أكثر، في حين أنّ كلا التنظيمين ينتميان إلى الفكر السلفي "الجهادي" نفسه، إلا إذا كان "البيك" يريد أيضاً من الولايات المتحدة الأميركية تناسي هجمات الحادي عشر من أيلول، وعقد مصالحة شاملة مع زعيم "تنظيم القاعدة" أيمن الظواهري.

في هذا السياق، توضح مصادر متابعة، مقربة من "الحزب التقدمي الإشتراكي"، في حديث لـ"النشرة"، أنّ رئيس الحزب ينطلق من الواقع الموجود على الأرض السورية، وبالتالي لا يمكن أن يدعو دروزها إلى الصدام مع محيطهم السني، وتزعم بأنّ هذا المحيط مؤيد لـ"النصرة"، وذلك كردة فعل على ممارسات النظام السوري.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ القرار الجنبلاطي كان منذ البداية الإنحياز إلى جانب "ثورة" الشعب السوري، وبالتالي هو من يقرر الخيار الذي يريده كبديل عن الرئيس ​بشار الأسد​، وتلفت إلى أن "البيك" يرى اليوم أن من الضروري "الخروج من عباءة النظام الآيل إلى السقوط" والالتحاق بـ"الثورة" التي رفعت منذ انطلاقتها شعارات الحرية والكرامة والتغيير.

في الجانب المقابل، لا يبدو أن وجهة نظر جنبلاط الحالية لها أي تأثير على ​دروز سوريا​، لا بل حتى الجزء الأكبر من دروز لبنان لا يؤيدونها، وهذا ما تؤكده مصادر معارضة لتوجه "البيك"، وتشير، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ على جنبلاط الإنطلاق من المثل الشعبي الذي يردّده بشكل دائم في بناء موقفه، "أهل مكة أدرى بشعابها"، وتضيف: "عليه أن يستمع إلى ما يقوله أهل الشام بدل توجيه الدعوات التي لا تقدم ولا تؤخر، لا سيما أن الإعتداءات قام بها عناصر "النصرة" على المناطق الدرزية لا العكس".

ترفض هذه المصادر الدخول من جديد في رهانات خاسرة، وتشير إلى أن جنبلاط يستطيع أن يبدل موقفه بين ساعة وأخرى، ويضع ذلك في خانة "لحظة التخلي"، لكن دروز سوريا لا يستطيعون القيام بمثل هذه الأفعال، لا سيما أنهم يعتبرون أنفسهم في معركة وجود مع الجماعات التكفيرية، وتعتبر أن على "البيك" في هذه المرحلة التعمق أكثر في فكر هذه التنظيمات لمعرفة موقفها من الدروز، وتسأل: "هل يطلب منا التخلي عن ديننا أم دفع الجزية لها؟" وتجيب: "نحن نؤكد في كل يوم أننا مسلمون لكن هم لا يعتبرونا كذلك"، وتذكّر بما قامت به هذه التنظيمات عندما دخلت إلى بعض القرى الدرزية في ريف ادلب.

أما بالنسبة إلى القول أن "النصرة" هي خيار السوريين، ترى المصادر نفسها أن مواقف رئيس "اللقاء الديمقراطي" نابعة من عداء شخصي مع الأسد، وتسأل: "هل خيار اللبنانيين أيضاً هو التماهي مع أفكار هذا التنظيم الإرهابي؟" وتشير إلى أن على "البيك" الذهاب إلى دوائر المحكمة العسكرية ليراجع الأحكام والقرارات الظنية الصادرة بحق موقوفين لبنانيين بسبب إنتمائهم إلى التنظيم نفسه، وتكرّر بأن كلا من الإرهابيين الفارين من وجه العدالة شادي المولوي وأسامة منصور يعلنان صراحة إنتماءهما إلى "النصرة"، وتشدد على أنّ جنبلاط يخالف القوانين اللبنانية التي تجرّم الإنتماء إلى "النصرة"، وتذكر بالدعوات الصادرة من قيادات التنظيم إلى العسكريين اللبنانيين من أجل الإنشقاق عن المؤسسة العسكرية.

في المحصلة، تتفهم هذه المصادر المخاوف التي يعبر عنها "البيك"، لكنها تشير إلى أن الإستسلام ليس من عادات أبناء طائفة الموحدين الدروز، وتدعوه إلى عدم الذهاب بهم إلى خيارات خاسرة من جديد، وتضيف: "في الوقت الذي يصنف العالم بأسره "النصرة" بالتنظيم الإرهابي لا يستطيع أخذنا إلى مواقف نابعة من مشاكله الخاصة مع النظام السوري"، وتشدد على أن خيار دروز سوريا هو الإنتماء إلى الدولة التي يرون أنها مصدر الحماية الوحيد لهم.