في ظلّ حقل الألغام السياسي والأمني والاقتصادي والمالي الذي وجد لبنان نفسه يتخبط فيه، انفجر لغمٌ قديم-جديد من مخلفات الالغام الغذائية التي كانت مزروعة في حقل الحياة اليومية للمواطن. فبعد قضية "سرطنة الغذاء" التي كانت أثيرت منذ سنوات قليلة و"اختفى" الحديث عنها، فجّر وزير الصحة ​وائل أبو فاعور​ لغماً صحياً حين أعلن عن حصيلة العينات الـ3600 التي أخذت من 1005 مؤسسة خلال عملية الكشف على المحال والمؤسسات التجارية.

قد تكون من المرات النادرة جداً في تاريخ لبنان المعاصر التي يعمد فيها وزير في حكومة قائمة على كشف أسماء مؤسسات ومحال ومطاعم و... يتهمها وفق التقارير التي وصلت اليه، بأنها لا تستوفي الشروط الصحية اللازمة. وقد تكون من المرات النادرة جداً أيضاً التي يقف فيها المواطن وتعتريه الدهشة لما حصل، اولاً لان الامر صادر عن وزير حالي وليس عن مؤسسة اعلامية، وثانياً لأنّ أسماء المؤسسات والمحال معروفة ولها وزنها.

من الطبيعي في ظلّ حدث مماثل أن ينقسم الرأي العام والمسؤولون بين مؤيد لما قام به الوزير ابو فاعور، ومعارض له. فوجهة نظر المؤيدين تستند إلى أنه بات لزاماً علينا كدولة في طور النمو، أن نسمّي الأمور بأسمائها وليتحمّل كلّ من قام بخطأ مسؤولية ما فعله. فكما تسمى المؤسسات لدى قيامها بأمور باهرة ومشرّفة، يجب أيضاً تسميتها عندما ترتكب الاخطاء.

ويعتبر المؤيدون لكشف الاسماء أنّ من شأن هذا الامر رفع الغطاء عن أيّ شخص يعتبر نفسه خارج إطار الملاحقة والمحاسبة، وتنبيه الناس إلى وجوب أخذ الحذر من المؤسسة أو الشركة أو المطعم المعني بدل أن يتلهى المواطن بمحاولة معرفة هوية المؤسسات المعنية.

ويرى المؤيدون أنّ كشف الاسماء يعود بالفائدة على القطاع الغذائي بشكل عام لانه يحد من مقاطعة المواطن العشوائية للمؤسسات كلها، كما يحد أيضاً من "اجتهادات" حول هوية المؤسسات المعنية فيأخذ كلّ ذي حق حقه.

أما المعارضون للخطوة التي قام بها الوزير ابو فاعور لجهة تسميته اسماء المؤسسات المعنية في التقرير، فيرون أنّ الخطوة غير بريئة وهي تحمل أبعاداً سياسية وربما تجارية من خلال "ضرب" مؤسسات معيّنة لتستفيد مؤسسات أخرى. ولا شكّ أنّ الردود من سياسيين ورجال اعمال ونقابيين كانت الدليل الكافي على مدى الاستياء مما حصل حتى وصل بهم الأمر إلى اعتبار الخطوة بمثابة "قطع ارزاق الناس".

ويعتبر المعارضون أيضاً أنّ الوزير أبو فاعور تسرّع وربما كان الاجدى به القيام بما قام به اسلافه وغيره من الوزراء في قطاعات اخرى عبر احالة الموضوع الى القضاء دون كشف الاسماء، وعندها يحصل المواطن على حقه دون أن تتعرض المؤسسات المعنية لـ"نكسة" معنوية واقتصادية.

ويسأل المعارضون لكشف الاسماء: هل كان الامر ليحصل لو أنّ المعنيين كانوا قريبين من الحزب السياسي الذي ينتمي إليه الوزير أبو فاعور، أو لو تدخل النائب وليد جنبلاط وطلب عدم ذكر اسم مؤسسة او شخصية معيّنة؟

وبغض النظر عن ذرائع المؤيدين والمعارضين، تبقى الخطوة التي قام بها وزير الصحة بمثابة "سابقة" في التاريخ اللبناني المعاصر، وهي كسرت "التابو" الذي كان موجوداً لدى المسؤولين والمواطنين على حد سواء، وأسّست لمرحلة جديدة من التعاطي. ومن المنطقي عند التعامل مع اي طريقة او اسلوب جديد، ان ينقسم الناس بشأنه، خصوصاً وان لبنان اكبر منتج لنظرية المؤامرات وسياسة "الترقيع".

وتبقى العبرة في معرفة خواتيم الامور، قبل التلهي بالشكل، فهل ستتحسن مستويات الاهتمام بأمن المواطن الغذائي أم ستطوى الصفحة على غرار الصفحات الكثيرة التي تم طيّها خلال سنوات وسنوات ولم يجرؤ أحد على اعادة فتحها؟