ما تمرّ به المملكة العربية السعودية اليوم يجعلها بعيدة بعض الشيء عن التأثير في الكثير من الملفات الساخنة في المنطقة ومن بينها لبنان. فصحّة الملك عبد الله بن عبد العزيز باتت تشغل بال أروقة الديوان الملكي وكل المعنيين في ملف الوراثة خصوصاً وأن الملك بات يعاني من مشاكل صحيّة كبيرة ازدادت مؤخّرا.

السعودية التي لعبت على مرّ عقود دوراً سياسياً بارزاً في منطقة الشرق الأوسط وفي لبنان خصوصاً، باتت غير قادرة على فرض شروطها والضغط في سبيل تحقيقها أو غير قادرة على دعم حلفائها في مناطق نفوذها وما ظهر في لبنان مؤخراً يؤكّد أن ما يشغل بال المملكة أكبر من نفوذ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في بيروت أو صورة "تيار المستقبل" في المنطقة.

مع وجود حزب مسلّح في لبنان لعبت السعودية في الفترة الأخيرة دوراً أساسياً في تحقيق شبه توازن على الساحة الداخلية، أما اليوم فـ"تيار المستقبل" دخل الى حوار مع "حزب الله" على الرغم من أن الأمور الأساسية الخلافية بين الفريقين لم تُحل.

فلا موضوع سلاح الحزب مطروحاً ويكفي أن مجرّد اشارة فريق "المستقبل" الى سحب سلاح سرايا المقاومة كاد ينهي الحوار.

ولا موضوع التدخّل العسكري للحزب في سوريا سيناقش في الحوار أو بات قابلاً للحلول.

ولا موضوع المحكمة الدولية واستعداد "حزب الله" للتعاون معها مطروحاً.

كل هذه البنود الخلافية لم تزل قائمة ومع ذلك دخل "تيار المستقبل" الى الحوار.

السؤال اليوم ما الذي سيتغيّر في السعودية بعد الملك عبدالله بن عبد العزيز أطال الله عمره؟

من هو صاحب القرار المقبل وأي جناح في المملكة سيستلم السلطة؟ وهل سيكون لبنان من أولويّاته؟

كلّها أسئلة على ضوء الاجابة الواضحة عليها ستتوضّح معالم السياسة المقبلة للسعودية في لبنان والمنطقة. فالاستحقاق المُلكي سيكشف أولويّة المملكة من التطوّرات في المنطقة وكيفية مقاربة ملف الحرب الباردة مع ايران والمواجهة الدامية على الأرض السورية.

والمشكلة الأكبر ستكون في كيفية قبول ولي العهد الحالي الأمير سلمان بن عبد العزيز حين سيصبح ملكاً بأن يبقى الأمير مقرن بن عبد العزيز وليّاً لعهده، خصوصاً وأن الملك في السعودية هو من يعيّن وليّ العهد وليس أحد سواه وهيئة البيعة تبايعه. فالملك عبد الله استحدث منصب وليّ ولي العهد في اشارة منه الى من يريد أن يكون خلفاً له ولمن بعده على عرش المملكة، منهيا بذلك انتقال السلطة من ملك الى آخر وبات انتقالها من وليّ عهد الى وليّ عهد جديد.

والمشكلة التي ستواجه الأمير سلمان في حال لم يحدث تغييرات في تصوّر الملك عبد الله للخلافة ستكون في اعتبار الأمير أحمد بن عبد العزيز أنه الأحق بالخلافة من أخيه الأمير مقرن.

المملكة اذا ستُحدّد سياستها في لبنان على ضوء الأجنحة التي ستصل الى العرش فيها، فوصول الأمير مقرن الى ولاية العهد ستعطي قوى الرابع عشر من آذار زخماً كبيراً ذلك أن الأمير الذي كان مسؤول الاستخبارات في السعودية سكن في لبنان مدة من الزمن وتربطه بقيادات الرابع عشر من آذار علاقات وطيدة. أما في حال وصول الأمير أحمد الى السلطة فالموضوع سيكون مختلفاً ليس لأن الأمير أحمد على علاقات سيّئة بفريق الرابع عشر من آذار بل لأنه غير مهتم بالملف اللبناني على قدر اهتمامه بملفات أكبر في المنطقة ناهيك عن عدم وجود علاقات قويّة تربطه مع أطراف في الداخل اللبناني.

والسؤال الآخر المطروح من الذي سيرث وزارة الخارجية في المملكة بعد الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز؟ خصوصاً وأن الملك عبد الله كان قد عيّن الأمير عبد العزيز بن عبدالله في مرتبة نائب للفيصل الذي يعتبر عميد الديبلوماسية السعودية وصاحب أربعين عاماً من هندسة سياسة المملكة الخارجية غير أن الفيصل لم يعد قادراً على ممارسة مهامه بسبب تدهور حاله الصحيَ.

والذي سيخلف الفيصل في الخارجية سيكون قادراً على الامساك في ملفّات المنطقة ولن يكون أبداً على قياس لبنان أو أي فريق لبناني.

الكل اذا في انتظار ما ستؤول اليه الأمور في المملكة واللعبة السياسية اليوم لا تعدو كونها امراراً للوقت الى أن تتبلور الصورة النهائية وتعود المملكة قادرة على الامساك بزمام الأمور.