لقد كانت منظمات اليسار المتطرف ـــ المغامر في الفترة الممتدة من أوائل السبعينيات حتى نهاية التسعينيات، منظّمات لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالاتحاد السوفياتي. لماذا؟ لانها وببساطة، قامت بمجموعة هائلة من الارتكابات العدائية تجاه المجتمع الغربي، الأوروبي تحديداً، كزرع عبوات في مؤسسات تجارية شهيرة أو رسمية مركزية، أو كالمرور بسيارات مسرعة ورمي المشاة بالرصاص، وآخرها عمليات الخطف لشخصيات حساسة.

لقد كان هذا شبه شعار وقانون داخلي لتيك المنظمات في وجه "المجتمع الرأسمالي". وقد كان ذلك كفيلاً بتنفير وتخويف المواطن الأوروبي غير الحزبي خاصة، من "اليسار". وكون اليسار بتعريفه حينها أمميّاً، ورأسه الاتحاد السوفياتي، فكيف يمكن ان يكون هذا الاتحاد ضد نفسه؟ كانت مهمتها على الأرجح تصعيب احتمال وصول اليسار إلى السلطة في أوروبا ـــ أستغفر الله (وبكل اللغات والأديان طبعاً... الأديان!!!).

لقد كان مجموع ما كُتِب وحُلّل وقتها عن هذا اليسار المدمِّر يلتقي على انه مرتبط بعمل استخباراتي عالٍ ومشبوه طبعاً، وذو خلفية أو منشأ أوروبي غربي على الأقل، أي في الظاهر. ولِمَ لا نستنتج أو نلاحظ أنه استمر تحت مراجع ومواقع مختلفة أهمها: حلف الناتو. وهل ننسى حادثة اختطاف رئيس وزراء إيطاليا ألدو مورو (رئيس وزراء يا ناس) في 16 آذار 1978 من قبَل تنظيم "الألوية الحمراء" (وهو أبعد ما يمكن عن مكة المكرمة)؟ اختطافٌ دام 55 يوماً، ومن ثم إعادته مقتولاً في صندوق سيارة مركونة في احد شوارع روما الرئيسة!!! إنه فيلم حقيقي، وبالعلامة فقد أُلِّفَ أكثر من فيلم روائي تجاري عن الواقعة وتفاصيلها الكثيرة والمشوّقة. لقد سمح الخاطفون مثلاً لرئيس الوزراء المخطوف بأن يراسل زوجته فترةَ اختفائه... إلخ.

أوليس الشبه أكثر من كبير بين نتيجة ما فعله اليسار المغامر حينها ونتيجة ما يفعله الإسلام المتشدّد منذ حرب أفغانستان بعد القضاء على نجيب الله حتى أيامنا هذه، أي الترهيب وخاصة التخويف الذي يجعل أي مواطن أينما كان يبدّي أمنه على كل ما تعد به تلك الحركات يسارية كانت أم إسلامية من عدالة وسعادة وحق، حتى ما قبل الجنة احياناً؟ هذا هو هاجس العالم الاول الضاغط منذ سنين مع إعلامه المرافق وإعلام الغرب عنه، الذي يسوّق له من دون أن يعلم، وأشكّ كثيراً في ذلك. هذا هو حصراً منذ ظهور ونضوج الاختراع العالمي المسمى: تنظيم القاعدة. لاحظوا أن كلمة "القاعدة" جديدة وعلميّة جداً ولا تُشبه لا لغة ولا تسميات القيادات المتدينة في تاريخ الاسلام المعتدل او المتطرف. انظروا كيف أن تسمية حركة "الاخوان المسلمين" طبيعية اكثر وتنتمي إلى محيطها. توحي تسمية "القاعدة" انها قد تكون رُتِّبَت في أي مكتب يقع في مبنى زجاجي شاهق... ومن "القاعدة" إلى الشيشان (أرجوكم لا تنسوا) إلى الاختراع الأخير، حتى اليوم طبعاً: "داعش". وهو بالمناسبة غير موفّق بالمقارنة مع تنظيم القاعدة، وهذا بشهادة الناس أينما كان، أقله في العالم العربي الذي اعتاد وجه العلامة الشيخ أيمن الظواهري، العلميّ هو الآخر طبعاً، تكفي نظاراته. ففي "القاعدة" كما ذكرنا، كل القيادات رغم التراتبية، علميّة ـــ وعلى اكثر من صعيد: من أسلوب البيانات، وتطوّر نوعية تسجيلها وتنوّع وسائل بثّها... هذا لافت جداً وليس دعابة... ــ علمية في توزيع المهام والرتب على الأقطار المختلفة، إلى استعمال التكنولوجيا المتقن، خاصة لضرورة كونها عملاً سرياً بامتياز، ذلك على عكس استعراضات "داعش" العسكرية وكأننا في عيد الاستقلال او في انتظار وصول البابا أو في يوم الانتصار على النازية...

إن مصر أم الدنيا فعلاً، وعلى اكثر من صعيد. فمن حسن البنا واجتماعاته المنتظمة بالقيادات البريطانية في عشرينيات القرن الماضي، حتى حادثة اقتحام صحيفة "شارلي ايبدو" في 7 كانون الثاني بداية هذا العام، الرعب المطلوب نفسه ومتواصل بنجاح منقطع النظير ــ انظر كيف هرولت معظم زعامات القرن والعام الحاليين إلى تجمع باريس يوم الاحد الماضي، ولا ضرورة لذكر تاريخه، فالتاريج سيلفظه على الأكيد.

ملاحظة: لقد استثنينا أحداث 11 أيلول من تعداد تاريخ حركات الإسلام المتشدد نكاية بالمشككين بالمشككين بها.