لم ينتظر مزارعو "المناطق الساحلية" لكي يذوب الثلج حتّى يبان مرجهم "المتضرر"، فالثلوج لم تصل إلى أراضيهم الزراعية، بعكس الصقيع الذي ضربهم وضرب محصولهم عن بكرة ابيه، إذ إنّ فجر السبت الماضي لم يكن يوما عاديا فدرجات الحرارة في ذلك الفجر تدنت عن معدلاتها الطبيعية في المناطق الساحلية، لتنخفض دون مستوى الصفر وتحرق المحاصيل، وهذا تماما ما حصل مع انطون شهوان الذي يعمل بمجال الزراعة، بحيث تعرض محصوله من الخيار والبندروة، في فرن الشباك للحرق بفعل تدني درجات الحرارة، ما يعني أنّ زراعة 60 الف متر مربع ذهبت ادراج الرياح، اضافة لتمزق الخيم الزراعية.

كذلك، إنّ القضية لا تتوقف عند المناطق الساحلية، فالزراعة في لبنان تضررت بشكل كامل جراء العاصفة الثلجية القوية التي أرخت بثقلها على هذا البلد، فمن يعوض على المزارعين وهل سيؤدي هذا الامر الى ارتفاع اسعار الخضار؟

بداية لا بدّ من التأكيد أنّ الموسم الصيفي لم يتعرض لأذى جراء العاصفة، حسبما يقول نقيب تجار الخضار ​محمد اللقيس​ لـ"النشرة"، مشيرا الى ان الزراعات التي تتم زراعتها تحت الخيم هي التي تأثرت بالنسبة الاكبر، مثل "الكوسا" الذي "تلف" حوالي 90 بالمئة منه وهذا ما سيؤثر على العرض وبالتالي على الاسعار. ويضيف اللقيس: "نحن كتجار نعمل على شراء البضاعة من المزارعين ونبيعها لتجار الجملة والمحلات ونأخذ نسبة 10 بالمئة كربح لنا ، انما تحديد الاسعار يكون من خلال عملية العرض والطلب"، لافتا النظر الى ان الاشجار المثمرة لم تزهر بعد وهذا امر ايجابي اذ انها لم تتأثر وبالتالي من المبكر الحديث عن الموسم الصيفي واسعاره.

من جهته يشير نقيب الفلاحين ​ابراهيم ترشيشي​ الى ان اضرار العاصفة ما زالت تتكشف حتى اليوم، مع صعوبة بإحصاء الاضرار في كل لبنان. ويقول في حديث لـ"النشرة": "التأثير القوي للعاصفة كان على المناطق الساحلية التي تعتمد كثيرا على البيوت البلاستيكية، اذ ان الالاف من هذه البيوت تضررت بشكل كبير وتلفت المزروعات داخلها"، لافتا النظر الى ان البقاع نال نصيبه من العاصفة ايضا عبر تضرر بعض البيوت البلاستيكية المزروعة بالخس، اضافة الى تضرر قطاع تربية الابقار والمواشي، واشجار الزيتون والاشجار الغير مقلمة. ويضيف: "كذلك الامر عانى المزارعون من صعوبة التنقل وبالتالي تصريف انتاجهم، فهم حتى اليوم لم يعودوا على اعمالهم بعد،وخصوصا مع عدم فتح طريق المصنع حتى اللحظة، اذ ان "صف" الشاحنات المتوقفة على الحدود بلغ مستويات لم يصل اليها من قبل وهذا ينذر بعواقب وخيمة على اكثر من 150 شاحنة متوقفة بانتظار فتح الطريق امامها لتنطلق نحو سوريا من اجل تصريف انتاجها"، داعيا كل المعنيين للتحرك سريعا وفتح الطريق امام الشاحنات.

واوضح ترشيشي ان مستودعات المزارعين في البقاع غير مهيأة لتحمل درجات حرارة منخفضة لاكثر من يوم، مشيرا الى ان الحرارة وصلت في الليالي الماضية الى 10 تحت الصفر ما أثر على "البطاطا" الموجودة داخل المستودعات.

اما بالنسبة للاسعار فيرى ترشيشي ان اسعار الخضار في لبنان وصلت الى اعلى مستوياتها منذ ايام وهي بطريقها نحو الانخفاض، موضحا انه لا داعي للقلق من ارتفاع الاسعار. ويقول: "ان مراقبتنا للاسواق تظهر ان الاسعار ارتفعت وهي تتجه للانخفاض ولن تؤثر العاصفة على الاسعار ولا على الكميات الموجودة في الاسواق".

ولكن، رغم كل اضرار العاصفة، تبقى خيراتها اكبر بكثير، فالمتساقطات تخطت المعدلات العامة ، وهذا يعني اننا سنشهد تفجرا للينابيع وتدفقا لمياه الانهار التي اضمحلت العام الماضي، وسيرتفع منسوب المياه الجوفية بحيث يسهل على المزارعين استخراجها، اضافة الى تخفيض نسبة الملوحات بالارض مما يعني انتاجا زراعيا سليما، وايضا تساهم الامطار والثلوج بالقضاء على الامراض الفطرية وفأر الحقل الذي "يأكل" المزروعات.

لا يمكن لنا ان نطلب من السماء ان تقلل منسوب عطائها، فخيرها ضروري ونحن بأمس الحاجة اليه، ولكن بالمقابل علينا ان نتحضر لاستقبال العواصف وهذا ما فعله المزارعون، ولكن عندما تكون العاصفة اقوى من امكانات المزارعين، يحين دور الدولة بالكشف على الاضرار والتعويض على المتضررين، وهذا ما لم يحصل في لبنان بعد، ونتمنى ان نراه يوما ما.

تصوير فوتوغرافي يورغو رحال (الألبوم الكاملهنا)