في الوقت الذي توجه فيه الإتهامات إلى تنظيم "داعش"، بالوقوف وراء إنتهاكات كبيرة على صعيد حقوق الإنسان على الأرض السورية والعراقية، خرجت إلى العلن أخرى توجه إلى عناصر حزب "الإتحاد الديمقراطي" الكردي، لا سيما في منطقة الجزيرة السورية، نتيجة الإنتصارات التي حققها في مواجهة "داعش".

مصدر هذه الإتهامات، كان "المجلس الوطني السوري" المعارض وشخصيات مقربة منه، وهو المعروف بعلاقاته الكبيرة مع الحكومة التركية، وفحواها السعي إلى تهجير السكان العرب من المنطقة لفرض واقع جديد، هدفه هو الوصول إلى مرحلة تصبح فيها الإدارة الذاتية أمراً واقعاً كمقدمة لإعلان الإنفصال.

ما بين النفي والتأكيد

على الرغم من أن الحزب الكردي، برز إلى الواجهة في الفترة الأخيرة بسبب تحالفه مع قوات التحالف الدولي خلال المعارك التي شهدتها مدينة كوباني، إلا أن الإتهامات بتحالفه مع النظام السوري لا تزال قائمة، حيث يؤكد عضو المجلس ​جورج صبرا​، في حديث لـ"النشرة"، أن ما يحصل يتم بالتعاون مع الحكومة السورية، ويُصر على إعتبار "الإتحاد الديمقراطي" حليفاً للنظام، حتى لو أعلنت قياداته أنها كانت أول من دعا إلى إسقاطه، فالوقائع على الأرض، من وجهة نظره، تدحض ذلك.

في هذا السياق، يتحدث صبرا عن إنتهاكات واضحة، من ترحيل سكان وإحراق قرى عربية لدفع سكانها نحو الهجرة إلى مناطق أخرى، ويشير إلى أن ما يفعله "داعش" يستكمله "الإتحاد الديمقراطي" مع العرب، في تل حميس وتل تامر وتل براك.

من وجهة نظر صبرا، الحزب الكردي لديه مشروعه الخاص، فهو الفرع السوري لحزب "العمال" الكردستاني، ولديه أحلام الإنفصال لإقامة إقليم خاص على الطريقة العراقية، ويشدد على أن المنطقة، التي يقال أنها ذات أغلبية كردية، هي غير ذلك، حيث يلفت إلى أن الأغلبية في المحافظة من العرب، فهناك في بعض الأطراف أكثرية آشورية وعلى الحدود مع تركيا أكثرية كردية، ولكن على صعيد المحافظة الوضع مختلف.

في الجانب الآخر، ينفي مسؤول الإعلام في حزب "الإتحاد الديمقراطي" ​نواف خليل​، في حديث لـ"النشرة"، هذه الإتهامات، ويؤكّد أن قوات حماية الشعب الكردي دخلت إلى المنطقة بناء لطلب الأهالي، ويلفت إلى أن الهدف منها إثارة الفتنة، ويطالب الأهالي الذين خرجوا بالعودة إلى مناطقهم بعد طرد عناصر "داعش" منها.

وفي حين تشير المعطيات الكردية إلى أن المكون العربي يبحث عن السلام عبر قوات "حماية الشعب الكردي"، على عكس ما يتم ترويجه، يشدد خليل على أن عناصر "داعش" هي من كانت تمارس أفظع الاعمال بحق السكان، ويحيل من يشكّك بذلك إلى تصريحات الحاكم المشترك لمقاطعة الجزيرة شيخ قبيلة شمر حميدي دهام الهادي الجربا، الذي نفى هذا الكلام، لافتاً إلى أن أي عربي لم يتعرض للظلم.

مستقبل الجزيرة إلى أين؟

أمام هذه الوقائع يبقى السؤال المركزي حول مستقبل الأوضاع في الجزيرة السورية قائماً، حيث لا يرى عضو "المجلس الوطني السوري" أن هناك مصلحة تركية في وجود كيان كردي شمال سوريا، خصوصاً أن لديها مشكلة مع حزب "العمال"، إلا أنه يلفت إلى وجود حديث عن مخططات لإعادة رسم المنطقة، وبعيداً عن التكهنات يتحدث عن وضع الوقائع الموجودة أمام الحلفاء الغربيين، لا سيما الأميركيين.

ويلفت صبرا إلى أن التنسيق الغربي مع "قوات حماية الشعب الكردي"، يعود إلى أن القوى الدولية تعمل مع من لديه القدرة على إدارة الأمور على أرض الواقع، ولا يستبعد أن تكشف الأيام المقبلة وجود تنسيق حصل مع القوى المتطرفة.

ويعتبر صبرا أن ما يجري في العراق هو إعادة رسم للمناطق، ومن وجهة نظره، لا يمكن إستثناء سوريا عندما يحصل ذلك، لا سيما في منطقة الجزيرة لإرتباط إقتصادي وإجتماعي مع مناطق في العراق وتركيا، وينهي حديثه بالتأكيد أن الخطر الأكبر هو على وحدة سوريا.

من جانبه، يسخر خليل من الإتهامات بالتعاون مع النظام السوري، ويشير إلى أنها ليست بجديدة على الإطلاق، لكنه يسأل: "كيف نكون حلفاء التحالف الدولي العربي والنظام معاً؟"، ويتّهم جهات يعتبرها متضررة من النجاح الذي يتحقق، "النظام الذي لا يريد أي شريك له في محاربة الإرهاب والمعارضة الفاشلة متضررة أيضاً، في حين أن قوات حماية الشعب الكردي أثبتت أنها تمتلك القدرة والإمكانية".

ويشدد خليل على أن المنطقة مفتوحة أمام جميع المنظمات الحقوقية كي تدخل وتلتقي الناس لمعرفة حقيقة الأمور، ويضيف: "الآن إذا ما تم تحرير مناطق أخرى ستصدر نفس المواقف من نفس الأشخاص"، ويعتبر أن أسباب هذه الإتهامات عديدة، منها الدافع الشخصي وكذلك الفشل والعنصرية، ويرى أن تركيا سعيدة جداً بها لأنها عندما ستدخل في مفاوضات مع زعيم "العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان ستسعى لأن يكون ​الأكراد​ في الحلقة الأضعف.

ما بين التأكيد والنفي، تبقى هذه القضية الخطيرة قائمة، فهل يكون دخول المنظمات الحقوقية هو الحل؟ الأكيد هو أن المواطن السوري يدفع ثمن هذه الحرب على بلاده منذ يومها الأول، لكن مع الأسف لا يبدو أن هناك أفقاً لإنهاء الأزمة في وقت قريب.