مع بدء توجه الناخبين الإسرائيليين لصناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية لاختيار 120 نائباً في "الكنيست" الإسرائيلي، ثمة توقعات وتكهنات ستبقى في الواجهة إلى حين ظهور النتائج التي يتوقع محللون أن تكون في صالح ​إسحاق هرتسوغ​ المرشح لحكومة "إسرائيل" عن حزب العمل، خلفاً ل​بنيامين نتانياهو​ الذي ربما يغادر الحياة السياسية في حال عدم فوزه، على غرار ما حدث مع إيهود باراك أمام أرييل شارون حينما خرج من الحياة السياسية.

ورغم ذلك، يبقى الحديث عن طبيعة أي حكومة إسرائيلية جديدة قائماً في ظل انسداد الأفق السياسي مع الفلسطينيين، إذ أنها ستحدد مصير المشهد السياسي الحالي، في ظل توقعات محللين ومختصّين في الشأن الإسرائيلي إعادة مشهد "نشر الأوهام" في موضوع التسوية السياسية مع الفلسطينيين رغم اعتبارهم أن الانتخابات الإسرائيلية هذه المرّة يمكن أن تشكل نقطة منعطف في المشهد السياسي الإسرائيلي، في الوقت الذي يرى مراقبون أن عنصر المفاجأة سيكون حاضراً في هذه الانتخابات. فقد تخرج أحزاب من المنافسة بسبب عدم تجاوزها لنسبة الحسم وتصعد أخرى كالقائمة العربية الموحدة التي تتوقع لها الاستطلاعات 13 مقعداً.

ويشارك في الانتخابات 26 حزباً ويتوقع أن تعبر 8 منها نسبة الحسم، من بينها القائمة العربية المشتركة والتي توحدت للمرة الأولى في الانتخابات، وفقا للاستطلاعات التي نشرتها الصحف والقنوات الإسرائيلية.

وتجرى انتخابات "الكنيست الإسرائيلي" مرة كل أربع سنوات بنظام الاقتراع النسبي، ويتنافس على مقاعده الـ120 هذه المرة 26 حزبا أبرزها حزب الليكود اليميني والمعسكر الصهيوني، وهو تحالف من حزب العمل وحزب الحركة بزعامة تسيبي ليفني.

والبرلمان الإسرائيلي هو الذي يمنح الثقة للحكومة أو يحجبها عنها، وهو الذي ينتخب رئيس "الدولة"، إضافة إلى مهامه في سن التشريعات.

تطرف ومزايدة

برأي المختص في الشأن الإسرائيلي ​أكرم عطالله​، فإنّ الانتخابات الاسرائيلية تمر بمأزق استكمالي للمأزق السياسي التي تشهده "إسرائيل"، والذي يتكون من تكتلات صغيرة وأحزاب صغرى ستكون سببًا للابتزاز السياسي، ما يعني عدم استقرار أي نظام حكومي في إسرائيل.

وفي حديث إلى "النشرة"، اعتبر عطالله أنّ كل القوى والأحزاب المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية تزايد على الفلسطينيين، وكأنها نوع من استباحة الدم الفلسطيني والمقدسات والواقع الفلسطيني بشكل عام، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو هو من أكثر المزايدين على الأحزاب، إذ أعلن عن تراجعه عن مبدأ حل الدولتين وتنصل من ذلك بشكل واضح في دعاية انتخابية واضحة.

ولفت عطالله إلى أنّ هنالك موجة من التطرف والمزايدة يركبها المرشحون الإسرائيليون، ما يعكس اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي، إذ أنه "كنا نشهد في التسعينات من يتحدث عن السلام، أما الآن فلا أحد يتحدث عنه وهو مصطلح غائب تماماً عن الانتخابات الإسرائيلية".

وأضاف عطالله: "كل ما يجري بين المرشحين الإسرائيليين، هو حديث عن سيطرة على الأرض الفلسطينية خصوصاً من قبل اليمين الإسرائيلي، والحديث عن نسج علاقات خارجية مع إسرائيل، ومحاولة البحث مع الفلسطينيين على تسوية وفقاً للشروط الإسرائيلية بما يضمن دولة يهودية".

من سيفوز؟

وحول نتائج هذه الانتخابات، ألمح المختص في الشأن الإسرائيلي، أنه إذا لم تحصل مفاجأة، فإن التوقعات بأن يتفوق المعسكر الصهيوني على حزب الليكود، في وقت يتضح أن كتلة اليمين في "الكنيست" الإسرائيلي هي أكبر من كتلة المعسكر الصهيوني، ما يعني أن هناك حالة غريبة بين الكتلتين، إذ أن بنيامنين نتانياهو من ناحية الكتلة وإسحاق هرتسوغ زعيم حزب العمال من ناحية الحزب وهو أقوى.

ولفت عطالله، إلى أنّ المحللين الإسرائيليين يتحدثون عن حكومة وحدة إسرائيلية، بين حزب الليكود، والعمل، مشيراً إلى أنه في حال حدوث تحالف بينهما فإنه سيحتاج إلى خمسة أو ستة أحزاب، وهذا يٌبقي الحكومة خاضة للابتزاز من كافة الأحزاب السياسية في إسرائيل.

ومن وجهة نظر إسماعيل مهرة محلل الشؤون الإسرائيلية، فإن استطلاعات الرأي التي أجريت داخل إسرائيل سواء من قبل المراكز والقنوات الإسرائيلية والمواقع، ستصاب بفشل ذريع في تقدير النتائج الحقيقية للانتخابات.

وفي حديث لـ"النشرة"، اعتبر مهرة أن النتائج ستكون مختلفة تماماً بما توحي به هذه الاستطلاعات، التي أوضحت أن الليكود سيحصل على 22 مقعدًا، و17 مقعدا لـ"البيت اليهودي" أي بزيادة 5 أعضاء عن السابق وفقاً لاستطلاعين للرأي أجرتهما القناتان الإسرائيليتان الثانية والعاشرة.

وتوقع مهرة، فوز الزعيم العمالي إسحاق هرتسوغ في الانتخابات الإسرائيلية، لكنه أشار إلى أن اليمين الإسرائيلي المتطرف، سيسيطر على البرلمان، ما يعني حدوث مشكلة كبيرة تتعلق بمن سيشكل الحكومة، لأنها ستلقى على عاتق هرتسوغ باعتباره سيفوزر بمقاعد كبيرة، إذ سيضطره للتحالف مع أحزاب اليمين.

وقال مهرة، إن ذلك سيضطر هرتسوغ للتحالف مع أحزاب اليمين، ما يعني تقديم تنازلات سياسية، لكن المصاعب الكبيرة ستواجه من سيشكل هذه الحكومة.

وأضاف مهرة: "اليوم بعد الساعة العاشرة مساءً ستكون النتائج مختلفة تماماً عن كل الاستطلاعات، لأن الانتخابات أصبحت عبارة عن انتخابات إقطاعية اكثر منها معسكرات وايديولوجيات وبين أحزاب كبيرة.

منعطف سياسي

ورغم ذلك، اعتبر مهرة أن الانتخابات الإسرائيلية هذه المرّة، يمكن أن تشكل نقطة منعطف في المشهد السياسي الإسرائيلي، معتبراً أنّها ليست مجرد انتخابات عادية كالتي سبقتها، إذ هنالك عناصر هامة ضمنها وجود القائمة العربية المشتركة والموحدة، والتي يمكن أن تكون المفاجأة الأهم في هذه الانتخابات.

وقال مهرة، إن المكون العربي في المشهد السياسي الاسرائيلي سيصبح ذا تأثير مهم جداً، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر مرتبط بمستوى مشاركة فلسطينيي 48 ونسبة مشاركتهم مقارنة بنسبة المصوتين اليهود.

ويضيف مهرة: "في الماضي كانت نسبة التصويت العربية أقل كثيراً من معدل التصويت لصالح المصوتين اليهود، وهذا كان يجعل نسبتهم أقل من قدرتهم التمثيلة الحقيقية، أما الآن فهناك حالة من الزخم وشعور بأن توحد الاحزاب العربية في قائمة واحدة خلق حالة من الزخم والحماس حتى أن نتانياهو حذر من الجهات العربية وقال إنها ستضر بكتلة اليمين داخل اسرائيل".

وشدّد مهرة على أنه في حال حصولهم على 15 مقعداً، فإنهم سيشكلون معارضة على المستوى السياسي وسيكون لهم تأثير على باقي الكتل والأحزاب الأخرى، والتي يمكن أن تخسر العديد من مقاعدها على ضوء مشاركة القائمة العربية.

مستقبل "نتانياهو" على المحك!

في هذا السياق، توقع محلل الشؤون الإسرائيلية، أن يعلن نتانياهو تقديم استقالته في حال لم يفز في الانتخابات، ويخرج من الحياة السياسية بالكامل، إذ أن حزب الليكود وصل إلى 20 مقعد أو أدنى، ما سيضطر نتانياهو تقديم استقالته خشية واستباقة من إقالته من قبل الليكوديين أنفسهم، إذ أنه لا يستطيع أن يكون الرقم الثاني في أي حكومة بعد ان كان رئيساً للوزراء في ثلاثة حكومات إسرائيلية سابقة.

ورجّح مهرة، أن يعلن نتانياهو عن هزيمته في الانتخابات على غرار ما حدث عام 1999 في إسرائيل، ويخرج من الحياة السياسية وهذا معروف في إسرائيل، إذ أنه حدث مع إيهود باراك الذي فعل ذات الشيء عندما خسر الانتخابات أمام أرييل شارون، وخرج من الحياة السياسية وترك المجال لصراعات داخل حزب الليكود لمن يكون الوريث.

وفي ذات الإطار، اعتبر مهرة أنّ "خروج نتانياهو من الحلبة السياسية سيكون له تأثيرٌ مدوّ لأنه يعتبر القائد الكاريزمي الكبير الذي يوحّد معسكر اليمين في إسرائيل.

تعامل الحكومة الجديدة مع الفلسطينيين

وعلى مستوى العلاقات الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي، رجّح محلل الشؤون الإسرائيلية، أن يعيد المرشح الإسرائيلي اسحاق هرتسوغ وتسيبي ليفني في حال فوزه، نشر الأوهام في موضوع التسوية السياسية مع الفلسطينيين، ما يجعل عملية "الحمل" الفلسطيني التي يمر بها المشهد السياسي بدءًا بالذهاب لمجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية، والاعترافات البرلمانية والحراك الأوروبي تجاه المستوطنات ومحاصرة "إسرائيل"، ومسيرة نبذها في عملية إجهاض.

وأوضح مهرة أن كل "الحمل" الفلسطيني تم بفضل سياسة نتانياهو، لافتاً إلى أنه سيتم إجهاضه عبر العودة إلى سياسة المناورة والخداع والتضليل التي تجيدها ليفني والخطاب السياسي المعتدل لحزب العمل.

وفي المقابل، يلمح المختص في الشأن الإسرائيلي أكرم عطالله، أن المعسكر الصهيوني، سيحاول ترميم علاقة إسرائيل مع العالم، وربما يتحدث عن عملية مفاوضات وتسوية مع الفلسطينيين، لكنه أشار إلى أن ذلك سيكون له تداعياته على الملف الفلسطيني بمختلف الأصعدة.

أخيراً، تبقى كل التوقعات مبهمة في إسرائيل، إذ أن المحللين والمعلقين الإسرائيليين يبتعدون عن الجزم في ما يتعلق بنتائج الانتخابات، لأن الأمور على درجة من الصعوبة، بحيث جعلت عملية التكهن نوعًا من المغامرة، في الوقت الذي يمكن أن تحمل فيه الانتخابات مفاجآت على درجة كبيرة، يعود مردودها لأزمة النظام السياسي في إسرائيل.