يحتل نائب وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن موقعاً مهماً في الإدارة السياسية في البيت الأبيض وهو من "الحلقة المقربة" من الرئيس باراك أوباما ويهتم بملفات عدة وخصوصاً في بلدان المنطقة التي يدخل لبنان من ضمنها.

وجاءت زيارته الى بيروت لتكسر الروتين الذي يخيّم على البلد وخصوصاً في الأعياد والتقى المسؤولين اللبنانيين واستطلع منهم الأسباب التي تمنع قواهم السياسية وكتلهم النيابية حتى الآن من انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من عشرة أشهر.

واختار بلينكن بيروت عن قصد في بدء أولى محطاته في عدد من عواصم المنطقة نظراً الى اهتمام بلده بموقع لبنان رغم أن قضايا عدة تتقدم عليه في الأجندة الأميركية.

وحضر الملف النووي والاتفاق الذي تم بين إيران ومجموعة 5+1 في لوزان بقوة على بساط البحث والمناقشات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وبلينكن. وهنأه الأول على الجهود التي بذلتها أميركا في هذا الشأن لإنتاج هذا الاتفاق التاريخي. ولم تقصّر طهران في المقابل في التوصل الى هذه التسوية التي أغضبت المسؤولين الإسرائيليين وفي مقدمهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تناول بري مواقفه أمام ضيفه. وأبلغه أن اعتراض إسرائيل سياسي في الدرجة الأولى ولو اعترفت بها إيران لوضعت تل أبيب هذا الاتفاق في مرتبة عليا ومقدّسة لأنها "تعيش" وتعمل على استمرار هذا التنافر والتباعد بين إيران والغرب زائد تذكيتها شرارة نار الخلافات بينها وبين البلدان العربية.

ونقل اليه بري سروره بولادة هذا الاتفاق الذي كان "يبشر" به منذ اشهر وانه توقع ان يصل في نهايته الى الشاطئ السعيد وانه يساعد على فتح قنوات الحوار بين السعودية وايران ويدخل اليهما هواء التعاون ولا سيما ان الرياض لم تبد اعتراضاً كبيراً عليه وبالتالي في حال أحسن استغلاله ومع رعاية اميركية في الحد من الحساسية القائمة ويخفف من اخطار النار المذهبية بين السنة والشيعة في بلدان المنطقة.

وخاطب رئيس المجلس بلينكن صراحة ومن دون قفازات في هذه النقطة، "في امكانكم ان تلعبوا دوراً في هذه المسألة بين ابناء الطائفتين وهما ينتميان الى دين واحد ويتممان بعضهما البعض".

واستغل بري توجه بلينكن من بيروت الى الرياض ليطمئن السعوديين من آثار الاتفاق النووي وانه في الامكان العمل على هذا التعاون بين بلدين كبيرين في المنطقة الامر الذي ينعكس على الملفات والازمات الشائكة من تطورات اليمن الى ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، وانه في امكان هاتين الدولتين التأثير على هذا الاستحقاق، علما ان لبنان يشكل "بحصة" صغيرة وسط هذا الجبل من الخلافات اذا جرت مقارنتها مع قضايا اخرى تهم طهران والرياض، وانه على اللبنانيين التنبه هنا جيدا لهذا الامر وانه لا يشغل الكرة الارضية. وان القضايا الاقليمية ستأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد الى سنوات لايجاد حلول لها، بينما في الامكان اذا توافرت العناصر المحلية والخارجية اتمام الاستحقاق الرئاسي عندنا وانتخاب رئيس للبلاد فوراً.

وكان لبلينكن اسئلة عدة في عين التينة وعمل على الحصول على جملة من الاستفسارات من بري لمعرفة الاسباب الحقيقة لعدم تمكن اللبنانيين من انتخاب رئيس للجمهورية طوال كل هذه الاشهر. أجاب بري على هذه الاسئلة ونظر الى السفير ديفيد هيل ولسان حاله يقول لبلينكن ان سفيركم يعرف جيدا حقيقة ما يحصل عندنا.

وسأله رئيس المجلس "لماذا سيغادر هيل بيروت؟"، فرد عليه بلينكن ان السفير مستمر في تولي مهماته الديبلوماسية في لبنان والى وقت ليس بقصير في انتظار ان يوافق الكونغرس على تعيين خلف له. وأعلن بلينكن عن استمرار بلده في دعم الجيش.

ولم يفوت بري هذه الفرصة امام مسؤول اميركي في هذا المستوى، ليطرح امامه عدم قدرة لبنان على تحمل أعباء اللاجئين السوريين، فرد عليه ان دولته وضعت مبالغ مالية لا بأس بها لدعم لبنان في هذا الخصوص، فرد عليه بري "نريد دعما سياسيا من دولتكم في هذا الموضوع والوقوف الى جانبنا واذا استمررنا على هذا المنوال فسيغرق بلدناأكثر في هذه الازمة، علما ان لبنان لم يقصر في احتضان السوريين".

وكالعادة لا يوفر بري هذا النوع من اللقاءات مع المسؤولين الاميركيين لتذكيرهم بعدم توصل المنطقة الى الهدوء واستتباب الامن فيها قبل قيام الدولة الفلسطينية والاعتراف بها وكبح الاسرائيليين من السيطرة على أصحاب الارض الاصليين والاعتداء على ارضهم وممتلكاتهم.