ليست الأزمة اليمنية وما يجري من عمليات عسكرية على الحدود السعودية اليمنية السبب الوحيد وراء اندلاع حرب التصاريح بين "حزب الله" والسعودية. فالحزب وعلى الرغم من موقفه الداعم للحوثيين وانضوائه العلني في خط الممانعة الذي تقوده ايران الا أن لا تدخل مباشر له في اليمن ولا يملك القدرة العسكرية على ذلك لأسباب عديدة أبرزها انهماكه بجبهات أخرى.

الحرب المستعرة كلاميّاً بين الجانبين لم تصل الى هذا الحد في ذروة الاحتقان الطائفي السني-الشيعي في لبنان، أما اليوم فأسباب وصولها الى ما هي عليه كثيرة ويمكن اختصارها بالتالي:

- عدم قدرة السعودية على السكوت عن هجوم الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عليها بشكل مباشر وتشبيهها باسرائيل الأمر الذي حدا بالمملكة الرد منعا لتمادي "حزب الله" في اتهاماته.

- سكوت السعودية المتمادي عن كل ما تعتبره انتهاكا من "حزب الله" لمصالحها في المنطقة وخصوصاً تحريضه على الثورة في البحرين بوجه حلفاء النظام السعودي الذين يعتبرهم "حزب الله" مستكبرين.

- النقمة السعودية المتزايدة على "حزب الله" منذ تدخّله العسكري في سوريا ومنع انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد مع ما يحمله هكذا تدخل من ضرب لمصالح المملكة في المنطقة على حساب ايران.

- عدم قدرة حلفاء النظام السعودي في لبنان على الرد مباشرة على السيد حسن نصرالله أولاً منعاً لتطيير الحوار الذي تستفيد من حصوله السعودية بشكل غير مباشر وثانياً لعدم الوقوع في الاحراج من خلال الدفاع عن نظام بلد عربي على حساب أبناء الوطن الواحد.

ولكن وعلى الرغم من كل ذلك فان "حزب الله" استطاع استدراج السعودية الى الملعب الذي يريد، وبدل أن يكون السجال قائماً بين السعودية وايران بات بين السعودية و"حزب الله"، ما رفع من قيمة وأهمية الحزب وأدخل السعودية في اشكالات مع العديد من القوى اللبنانية المحلية كانت بغنى عنها.

والمشكلة مرشّحة الى المزيد من التفاقم والتصعيد خصوصا أنها وصلت الى حد التقاذف الاعلامي لكل جهة، ما يعيد مشهد التوتر الى الأذهان.

في الاطار عينه بدت ايران أكثر حنكة في الرد حتى على أشد خصومها سياسيا والتي لم يسبق لها أن أعارت اهتمامًا من خلال تصاريح رسمية لأي حزب عربي يرفض سياستها في المنطقة، حتى أن ردّها على التدخل السعودي في اليمن كان مقتضبا ومحذّرا السعودية من مغبة فعلتها.

في الخلاصة أصبح واضحا أن "حزب الله" استطاع انتزاع صراع سياسي مباشر مع السعودية من دون الحاجة الى مجابهة الوكيل، وهو بذلك أعاد خلط أوراق اللعبة السياسية في لبنان والمنطقة، ولكن لبنانيا سبب احراجاً كبيرا لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الطامح الى رضى سعودي يوصله الى كرسي الرئاسة في بعبدا، ناهيك عن احراج مع رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط الذي يحاول ومنذ فترة غير قصيرة لاستعادة الودّ السعودي.

قد تكون حسابات "حزب الله" وجودية وتتعدى حدود رئاسة الجمهورية وغضب الحلفاء والخصوم. لكن ما هي حسابات المملكة العربية السعودية في مجابهة "حزب الله" مباشرة خصوصا وأن الاتفاق النهائي على النووي الايراني بات قاب قوسين؟