لم يعد التوقف عند الجريمة واستنكارها والاعتراف بها على اهميتها يكفي لاستعادة بعض من حقوق مهدورة بحق الارمن والسريان والآشوريين وغيرهم... وانما من واجب الدول الاخلاقي والانساني والقانوني ان تضغط وبمختلف الوسائل السياسية والدبلوماسية على الدولة التركية لتعترف رسمياً بدور السلطات العثمانية بارتكابها للابادة.

ومن غير الجائز، ان تعتبر الدول والمؤسسات الدولية الذكرى المئوية الأولى لمجازر 24 نيسان، مجرد ذكرى "لأول ابادة جماعية في القرن العشرين"، على ما جاء في عظة البابا فرنسيس يوم 12 نيسان المنصرم... فمن غير المقبول ان يقف العالم المسمى متحضرا أمام هذه الذكرى وكأن شيئاً لم يكن أو كأنه يوم آخر للتذكر والتضامن اللفظي ليس إلا، خصوصاً ان المجتمعات لم تتخلص لتاريخه من عادة ارتكاب المجازر.... وعلى مختلف انواعها واشكالها.

ان الموقف المائع للدول من الابادة لا يشجع السلطات التركية على عدم الاعتراف بما ارتكبه اجدادها فقط وذلك على الرغم من اقرار الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية بوقوع الابادة، وانما يحفز ايضًا السلطات التركية على ترسيخ فكرها التوسعي والرفضي للآخر وعلى التلاعب بمصائر الشعوب سواء كان القابض على مفاتيح الحكم في تركيا يؤمن بالعلمانية كنظام حكم ام كان أقرب إلى تطبيق الشريعة الاسلامية في ادارته لشؤونها... وما دام الرفض موجودًا فإنه يخفي فكرًا استعماريًا لا بد ان يظهر بتصرفات السياسة الخارجية لهذه الدولة، ما يؤدي حكما الى اضطراب الاحوال في منطقة تعيش اصلاً على فوهة بركان. من هنا فان امتناع الدولة التركية عن الاعتراف بالمجزرة يمنع حدوث مصالحة حقيقية مع شعوب المنطقة وهذا اصلا لا تريده السلطات التركية كونها لا ترغب في بناء علاقة ندية مع دول الجوار.

وبعيداً من اعتراف تركيا بـ"الابادة الجماعية" على العالم ان يدرك بأن التغاضي عن محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، يمهد ويشجع بطريقة مباشرة وغير مباشرة على وقوع مجازر وابادات جديدة خصوصاً في منطقة الشرق الاوسط، ولو اختلفت الاساليب والاعذار والتسميات... الم يقتل الناس في شرقنا ومن مختلف المشارب على يد داعش ورفاقه ويشردوا من منازلهم ويمثل بجثثهم بل تم القاؤهم احياء بمياه البحر المتوسط، امام العالم اجمع من دون حسيب أو رقيب او عقاب؟؟ من هنا فإن الاعتراف بالابادة واستنكارها هما مسؤولية انسانية، قبل كل شيء، ويجب ابعادها عن الزواريب السياسية وفقاً لما يريده الفكر العثماني الجديد وغيره من دعاة الاستعمار المتجدد. وهذا الاعتراف يكاد يكون المدخل الرئيسي والوحيد في بناء مجتمع انساني يؤدي حكما الى استقرار العلاقة بين الدول خصوصا في هذا الشرق المتألم