لم تأت التغييرات في نظام الحكم السعودي، التي أعلن عنها صباح اليوم، من فراغ، بل هي نتاج سيناريو بدأ العمل على تطبيقه قبل أشهر، منذ لحظة الإعلان عن وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، وكانت بشائره الأولى بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، كون مركز ولي العهد كان مقرراً سابقاً للأمير مقرن بن عبد العزيز، ما قطع الطريق أمام السيناريو السابق الذي كان يسعى لتعيين الأمير متعب بن عبدالله ولياً لولي العهد، ليكون أول الموعودين بالعرش من أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود، لكن الرياح لم تجر كما تشتهي سفن الملك عبدالله.
السيناريو الأساس تم العمل على بلورته من خلال التحالف بين متعب بن عبدالله وصانع الملوك سابقاً رئيس الديوان الملكي خالد التويجري وولي العهد السابق مقرن بن عبد العزيز، وكان يقوم أصلاً على أساس إبتكار منصب ولي ولي العهد، إلا أن الضربة الأولى التي تلقاها كانت من خلال سلة التعيينات الأولى التي أصدرها الملك سلمان بن عبد العزيز، عبر تعيين محمد بن نايف ولياً لولي العهد لا متعب بن عبدالله وإبعاد التويجري عن الديوان الملكي، لتكون الوسيلة التي يستند إليها هي التي قضت عليه، وحينها وصف الأمر من قبل الكثير من المراقبين بـ"الإنقلاب" على العهد السابق.
إنها "خدعة" ولي ولي العهد، هذا ما يجمع عليه المتابعون للشأن السعودي، أرادها الملك عبدالله أن تكون الباب الذي يفتح طريق الحكم أمام نجله متعب، عبر إبعاد الأمير أحمد بن عبد العزيز وآخرين، إلا أنها كانت الوسيلة التي إستخدمها خصومه لقطعها عليه، من خلال التعيينات الجديدة، والتي أثارت حولها الكثير من علامات الإستفهام، نظراً إلى أنها أقصت الأمير مقرن بن عبد العزيز، وفتحت الباب أمام نجل الملك الحالي وزير الدفاع محمد بن سلمان بعد تعيينه ولياً لولي العهد، ليكون خليفة الملك المقبل.
ويشير أحد المتابعين، عبر "النشرة"، إلى أن متعب بن عبدالله حتى الأيام الأخيرة كان يراهن على مقرن بن عبد العزيز، ليعيد فرص وصوله إلى سدة الحكم من جديد، لكن بعد الذي حصل صباح اليوم تم القضاء عليها بشكل نهائي، فالأمير محمد بن نايف سيكون الملك السعودي الأول من أحفاد المؤسس عبد العزيز بن سعود، بعد أن أصبح هو ولي العهد بموجب القرارات الجديدة، لكن هناك معلومات تشير إلى وجود إعتراضات داخل الأسرة الحاكمة على الذي حصل، وتؤكد بأن مقرن لم يطلب "الإعفاء" من منصبه بل فرض الأمر عليه فرضاً، وعلى الرغم من إستبعاد ظهورها بشكل واضح من المتوقع أن يكون لها تداعيات مهمة.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن "التحالف" بين وزير الداخلية محمد بن نايف ووزير الدفاع محمد بن سلمان في الفترة السابقة كان مؤكداً، خصوصاً أن الأخير يعتبر اليوم الحاكم الفعلي في السعودية بسبب مرض والده، لكن باب "الصراع" بين الأميرين قد يفتح في المرحلة المقبلة، لا سيما أن كلاً منهما يخاف من الخطوات التي قد يقدم عليها الآخر، حيث بات لافتاً التقدم الذي أحرزه نجل الملك الحالي، الذي أصبح ولياً لولي العهد، وبعض المراقبين تحدثوا صراحة عن أن التعارض في مصالحهما سيظهر حتماً، فقد أصبح بن سلمان هو الرجل الأقوى في المملكة بعد أن كانت التوقعات تؤكد أن بن نايف سيكون هو الأقوى في العهد الجديد، بسبب مركزه داخلياً أولاً وعلاقاته المميزة مع الولايات المتحدة الأميركية ثانياً، حيث نجح بن سلمان سريعاً في السيطرة على أغلب مراكز القرار المالية والعسكرية، إلا أن "دهاء" بن نايف المدعوم أميركياً سيقوده إلى قلب المعادلة لاحقاً.
إذا "التحالف" بين المحمدين أدى إلى إقصاء متعب (وزير الحرس الوطني حتى الآن) بشكل نهائي عن طريق إقصاء مقرن، لكن البحث في مستقبل الحكم في المملكة يسمح برسم بعض السيناريوهات الممكنة، منها أن بن نايف قد ينقلب بعد وصوله إلى الحكم على بن سلمان، كما حصل مع مقرن، وبن سلمان قد يستبق هذا الأمر من خلال إقصاء بن نايف، لكن إستمرار التعاون بينهما أمر وارد أيضاً، خصوصاً أنهما يدركان حجم التداعيات التي ستترتب على الدخول في صراع كبير على السلطة على مستوى الأحفاد.
في المحصلة، ما تقدم يشير إلى أن النظام السعودي دخل في مرحلة جديدة، في ظل تطورات كبرى على مستوى العالم والمنطقة، لكن معالمه الكبرى لن تظهر في الوقت الحالي، نظراً إلى إنشغال المملكة بالصراع في اليمن والعديد من الملفات الأخرى، فهل يكون لصراع أركان الأسرة الحاكمة تداعيات على تركيبته الحالية؟