منتجع "كامب ديفيد" الرئاسي في ولاية "ميريلاند" الأميركيّة، ليس موقعاً جغرافياً عادياً، بل له مكانته الخاصة، كونه إستضاف في أيلول من العام 1978، محادثات بين وفد مصري برئاسة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ووفد إسرائيلي برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن، إنتهت بتوقيع إتفاق "كامب ديفيد" التاريخي بين الطرفين. وفي 13 أيّار الحالي، سيستضيف مُنتجع "كامب ديفيد" قمّة تاريخيّة، لا تهدف هذه المرّة إلى التقريب بين العرب وإسرائيل كما حصل في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر في نهاية الثمانينات، إنّما للتقريب بين الدول العربية والولايات المتحدة الأميركية نفسها، بعد أن بلغت هذه العلاقات أدنى مستوياتها في عهد الرئيس الأميركي الحالي ​باراك أوباما​!

ومن المعروف أنّ المملكة العربيّة السعوديّة ستحضر قمّة "كامب ديفيد"، مدعومة من مختلف ال​دول الخليج​يّة ومن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك المغربي محمد السادس، لتكرّر على مسمع الرئيس الأميركي ما سبق وأعلنته في قمّة دول مجلس التعاون الخليجي التي عُقدت في الرياض برئاسة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وبحضور لافت للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي جاء بناء على دعوة خليجيّة غير مسبوقة، تعمّد القادة الخليجيّون إرسالها لتحذير الإدارة الأميركية أنّ خياراتهم مفتوحة بالنسبة إلى مُورّدي السلاح والداعمين السياسيّين لمواقفهم، وذلك عشيّة قمة "كامب ديفيد" المنتظرة. أمّا الرئيس هولاند فهو لبّى الدعوة وعينه على ملء الفراغ الذي أحدثه تردّي العلاقات بين الرياض وواشنطن. ولا شك أنّ إستبدال الدعم الأميركي السياسي والعسكري والإقتصادي، بدعم فرنسي أو أوروبي، هو رسالة إستباقيّة من دول الخليج للإدارة الأميركيّة، لتأكيد رفضها للتقارب الأميركي-الإيراني على حساب مصالح الدول العربية عموماً والخليجيّة خصوصاً.

وبحسب المعلومات الدبلوماسيّة إنّ الدول الخليجيّة ستضغط على الإدارة الأميركية لمنع توقيع الإتفاق النهائي بشأن ملفّ إيران النووي، إلا بشروط مُحدّدة، وفي طليعتها حصول الدول الخليجيّة على تطمينات حازمة بضمان أمنها في المستقبل، والأهم ما لم تحصل على تعهّدات بأنّ سياسة توسيع النفوذ الإقليمي التي تنتهجها إيران بثبات منذ فترة طويلة، والتي بلغت في السنوات القليلة الماضية، مرحلة متقدّمة جداً في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها، لن تستمرّ كما هي عليه حالياً. وتعتقد بعض الأوساط الديبلوماسيّة أنّ الدول الخليجيّة قد تصل إلى مرحلة مُطالبة الإدارة الأميركية بتوقيع "معاهدة دفاع مُشترك" لضمان أمنها، في حال إصرار واشنطن على المُضيّ قدماً بتوقيع "الإتفاق النهائي" مع طهران، أو على الأقل توقيع نوع من التحالف المُشترك لتوفير الحماية الأميركيّة، شبيه بالإتفاق الذي كان الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش قد منحه للكويت. ومن المُتوقّع أيضاً أن تُطالب الدول الخليجيّة والعربيّة في "كامب ديفيد" بشروع الإدارة الأميركية بتغيير السياسة المُتبعة لمعالجة الوضع المتفجّر في كل من سوريا والعراق، لجهة رفع الضغط على النظام السوري، وعدم التساهل مع الحُكم الحالي في العراق، ما لم يحترم حقوق مختلف الجماعات المذهبيّة.

وبحسب المعلومات الدبلوماسيّة نفسها، فإنّ الإدارة الأميركية لن تلعب دور المدافع فحسب خلال قمّة "كامب ديفيد" المرتقبة، بل ستعمد إلى الهجوم السياسي في أكثر من ملفّ، لا سيّما بالنسبة إلى مسألة ضبط تمدّد الجماعات الإرهابيّة المُسلّحة، وسُبل وقف الدعم المؤمّن لها بالمال والعتاد. وكان لافتاً أنّ وسائل الإعلام الأميركية أعادت التذكير بهجمات 11 أيلول 2001، مُتسائلة عن الإجراءات التي إتخذتها الدول الخليجيّة لمنع خروج المتُشدّدين من صفوفها وقيامهم بضرب المصالح الأميركيّة والغربيّة مُجدداً. ومن المُنتظر أن تطالب الإدارة الأميركية الدول الخليجيّة بإجراءات ميدانيّة أكثر فعّالية لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، والتنظيمات الأخرى على شاكلته، وكذلك بإجراءات فعّالة لمواجهة نموّ الجماعات المُسلّحة المتشدّدة في كل من ليبيا والعراق واليمن وسوريا. وتُعوّل الإدارة الأميركية الحالية على وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر لطمأنة الدول الخليجيّة، لجهة إستمرار واشنطن في ضمان أمنها الإقليمي، وتُعوّل عليه لإقناع القادة الخليجيّين بعقد صفقات تسلّح جديدة، في مقابل توقيع نوع من تفاهمات الدفاع الإستراتيجي الثنائي. ومن المُنتظر أن يعمد كارتر، وبتوجيه من إدارته، إلى محاولة إقناع قادة الدول الخليجية ببناء نظام دفاعي مُشترك ضُدّ خطر الصواريخ الباليستيّة، ضمن منظومة دفاعية مُتكاملة تشمل تأمين الملاحة البحرية الآمنة في الخليج، وحماية الحدود البرّية للدول الخليجيّة، ومواجهة تنامي خطر التنظيمات الإرهابيّة.

في الختام، لا شكّ أنّ قمّة "كامب ديفيد" المُرتقبة مهمّة جداً لمستقبل الشرق الأوسط ككل، ونجاحها يعني إمكان دخول المنطقة في مرحلة جديدة من التفاهمات وربما من التسويات، بينما فشلها يعني حُكماً إستمراراً للوضع المُتفجّر القائم، وربّما تصاعده وتوسّعه أكثر فأكثر. وكل المعلومات تُشير إلى أنّ القمّة ستنجح، وأنّ مسودة تبادل المطالب بين أميركا ودول الخليج إستكملت، ولم يبقَ سوى كتابة النصوص النهائيّة وإجراء حفل التوقيع في حضور مُمثّلي الطرفين.