يبدو واضحاً أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون باشر التعبير عن ردة فعله ليقينه ان تعيين قائد فوج المغاوير العميد الركن شامل روكز قائداً للجيش اللبناني لن يحصل وذلك في موازاة التمديد للعماد جان قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية»، ويأتي ما اعلنه وزير الخارجية جبران باسيل من مواقف تعكس قرار عون كرسالة واضحة على أن فريقه السياسي باشر منحاً تصاعدياً في حال عدم تعيين روكز قائداً للجيش اللبناني، وعلى ما تقول أوساط محيطة بالعماد عون فإن ما بعد التمديد لقهوجي هو غير ما قبله وإن الموضوع لن يمر دون المحاسبة من قبل الزعيم الماروني الذي يرأس أكبر كتلة نيابية في الوسط المسيحي، فعدم تعيين قائد جديد للجيش اللبناني اتخذ أكثر من منحى لدى عون الذي يدرج ما يحصل معه في خانة إنقلاب رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري على التفاهم معه بعدما كان بادر إبان العشاء الذي جمعهما في 18 شباط في بيت الوسط عن رغبته بتعيين روكز قائداً للجيش اللبناني بالتزامن مع تعيين رئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي على أن يعمل عون على إقناع حلفائه بهذه الخطوة. كما كان وعده في لقائهما في باريس عن تأييده عون لرئاسة الجمهورية ثم جاء تحرك كل من رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط في اتجاه باريس ولقائهما وزير الخارجية السعودي يومها سعود الفيصل ليطيح بوعد الحريري الرئاسي حينها.

وتتابع الأوساط، منذ مدة والعماد عون بدأ يلمس تراجعاً من قبل الحريري الذي كان وعده بأن يرسل إليه موفداً بعد عودته من زيارة واشنطن، لكن على ما يبدو ان تداعيات عمليات «عاصفة الحزم» في حسابات هذا الفريق الذي يعتبر انه رابح حتى حينه، هي التي دفعته لنقض هذا الإتفاق، كما ان عدم إيفاد موفدين لعون من قبل الحريري بعيد زيارته إلى واشنطن هدفها تظهير الأمر وكأن ثمة معطيات في العاصمة الأميركية تدل على أن محور تيار المستقبل هو الذي سيربح في المشهد الإقليمي ولذلك أيضاً كان عدم المضي في خطوة تعيين روكز حتى انجلاء المشهد الأخير للتوازنات في المنطقة، في موازاة مؤشرات واضحة حسب الاوساط، فان صقور تيار المستقبل اسوة بالرئيس فؤاد السنيورة وآخرين عملوا على اجهاض هذا التفاهم.

فإن عدم تعيين روكز والتمديد الأمني العسكري موضوع لن يقبل به عون تكمل الاوساط وهو الذي سيترجم قراره بإجراءت تضع مستقبل الحكومة على المحك نظراً لحاجات تيار المستقبل إليها، ثم أن ما يحصل مع عون كزعيم مسيحي قادر أن يبني علاقة ندية مع الزعماء الأخرين في الطائفتين السنية والشيعية، معناه مؤشر على رغبة التسلط على الحقوق المسيحية، مستشهدةً الأوساط بالحديث الذي بثته المحكمة الدولية عن حوار بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبين نائب الرئيس السوري وليد المعلم لناحية ما ذكره الرئيس الراحل عن تصوره لترشيحات القوى المسيحية في بيروت وتقسيماتها.

إذ إن ثمة مشروع «فكرة» تتابع الأوساط تدفع لإعادة النظر بنظام الطائف الذي يعطي رئيس الحكومة هذا الحجم من الصلاحيات في موازاة هيمنة تيار المستقبل كممثل شبه حصري للطائفة السنية على تمثيل المسيحيين، بحيث أن النواب المسيحيين في كتلة المستقبل يفوق عددهم نواب قوى 14 آذار المسيحي على ما كان أبلغ مقربون من العماد عون الى السفير الأميركي ديفيد هيل في لقاء جمعهما مؤخراً وعرضوا له عدم إطمئنانهم كمسيحيين إلى هذا النظام السياسي أي «اتفاق الطائف» وبات يتطلب الأمر نظاماً سياسياً يطمئن المسيحيين اقله ويعطيهم ما هو مسموح لهم في ظل التركيبة اللبنانية لـ 25 سنة أقله.

حتى إن المثالثة تضيف الاوساط، وما يقاربها على خلفية اعادة النظر بالطائف يبقى حتى حينه مشروع فكرة قابلة للنقاش مع الفرقاء الآخرين لكون المثالثة الفعلية ربما قد تكون أفضل من المناصفة الوهمية وبنوع خاص إذا ما توفرت «ذهنية ذمية» عند عدد من القوى المسيحية في 14 آذار التي ترفض أن تطالب بحقوق المسيحيين وتقبل بما يمليه عليهم المستقبل، وتشير إلى أن مجرد تلميح رئيس حزب الكتائب اللبنانية أمين الجميل إلى تعديل الطائف منذ نحو 4 سنوات قوبل بردات فعل سلبية من قبل تيار المستقبل ولم يخرج بعد من مرحلة العقوبة التي فرضت عليه في حين أن الشعارات المسيحية التي كانت على عاتق القوات اللبنانية ورئيسها الدكتور سمير جعجع في السابق غابت كلياً لعدم إزعاج تيار المستقبل، ثم ان اندفاع جعجع لتعيين روكز قائدا للجيش اللبناني من شأنه حسب الاوساط تحقيق المصالحة بين القوات من جهة وبين المؤسسة العسكرية ويشكل خطوة متقدمة في مسار الحوار مع التيار.

من هنا تجد الأوساط أن النظام السياسي الجديد الذي تأمله الطائفة الشيعية من شأنه أن يعطي المسيحيين تمثيلاً فعلياً وقوة صافية في المعادلة على حساب تقليص نفوذ الطائفتين السنية والدرزية، وعندها يكون المسيحيون في المعادلة افضل من الواقع الراهن.

لكن أوساط قيادية في قوى 14 آذار على صلة بالرئيس الحريري تسرد واقعا مناقضا عن رواية المقربين من عون إذ إن رئيس المستقبل لم يفاتح العماد بموضوع العميد روكز بل الجنرال هو الذي طرح، موضحة ان مبدأين يحكمان هذا الطرح المرتبط بهذا الملف وفق التالي:

- الاول: هو أن قوى 14 آذار والحريري تقر بأن العميد روكز ضابط ناجح وكفوء وموقفها منه جد إيجابي ولو كان روكز مهندسا على سبيل المثال ومطروح لتولي منصب نقيب المهندسين، لكانت قوى 14 آذار دعمته حكماً إلا أن قوى 14 آذار تنطلق من ثابتة مفادها أن رئيس الجمهورية الجديد هو الذي يعين قائد الجيش لعهده وهذا حق له، في حين أن ما يحصل اليوم هو أن تعيين روكز يشكل فرضا على رئيس الجمهورية الجديد الذي قد يكون راغب ربما بإختيار قائد جديد للجيش، فعندها سينطلق العهد الجديد بارباكات وتجاذبات لها صلة بتعيين خلف لروكز وحكما ستحد من إنطلاقة العهد وتؤدي إلى اشكالات ممكن تجاوزها منذ اليوم .

- ثانيا: إن تعيين قائد ألجيش هو بالواقع تعيين سياسي بإمتياز في حين إن قوى 14 آذار لم تصل يوماً بالسياسة إلى تفاهم مع العماد عون على اي ملف، وفي كل مناسبة محورية ومفصلية على غرار الموقف من الأزمة السورية، دخول حزب الله تلك البلاد ومعركة القلمون مؤخراً، وفي أحداث اليمن أو أي ملف إقليمي أو داخلي، اذ في كل محطة كان التباين السياسي واضحا مع عون الذي يكون في موقف بعيد كليا عن 14 آذار، وقد تمت مصارحته بهذا الأمر منذ مفاتحته الحريري بترشيحه الرئاسي، وهو ما ينسحب على طلبه بتعيين روكز على رأس المؤسسة العسكرية، إذ إن موقع «قائد الجيش» في هذا الظرف كمنصب مهم على رأس مؤسسة تلعب دوراً حساساً وفعالا في هذه المرحلة لا يمكن ادراجه في خانة الهدايا، إذ إن العماد عون لم يسلف حتى حينه الفريق المقابل موقفاً ليقابل بتلبية مطالبه، هذا ان العودة الى ما قاله الرئيس الشهيد يدفع الى السؤال عما اذا كان عون يفاوض الابن ام الشهيد رفيق الحريري، بحيث ان لتلك المرحلة كلامها وما تبع الامرين اغتيال نتيجة رفض الهيمنة السورية.

وترفض الأوساط المقولة بأن الحريري هو الذي فاتح العماد عون بالأمر، بل إن رئيس تكتل التغيير والإصلاح هو الذي طرح الموضوع وتعهد بإقناع القوى الحليفة بالموافقة على تعيين روكز وعثمان بالتزامن في جلسة الحكومة بعيد حصوله على موافقة حزب الله.

وحيال إمكانية نسف الحكومة تتابع الأوسط بأن العماد عون يربط مصير البلاد بحساباته الخاصة دون أخذه بعين الواقع بأنها ليست المرة الأولى التي يتركه حزب الله في منتصف الطريق مقدماً استراتيجيته كحزب على اعتبارات عون الخاصة، وان مسألة تعديل الطائف او نسف نظام المناصفة لصالح المثالثة تقول الأوساط أنه منذ اليوم الأول لإتفاق الطائف يعتبر العماد عون نفسه خاسرا ويرفض صيغته الميثاقية، وربما اليوم يريد العماد عون أن يتوج حياته السياسية بنسفه الطائف دون أخذه بعين الإعتبار بأنه «باب ينفتح على عدة أبواب» وان ثمة مذاهب وطوائف أخرى وبينها مسيحية لديها مطالب، مشيرة الى ان سعيه الى تعديل النظام ربما يدفع بالطائفة الشيعية للمطالبة بموقع قيادة الجيش اللبناني لحماية سلاحها، اذ هذا الطرح ليس على عاتق عون فقط اذ ان كل من بكركي والقوى المسيحية الأخرى يتمسكون بالطائف.