بعد إغلاق صناديق الإقتراع وإعلان نتائج إنتخابات ​المجلس الإسلامي الشرعي​ الأعلى، بدأت القوى والشخصيات السياسية البارزة على الساحة السنية بتحليل الأرقام، بغض النظر عن النتائج النهائية، لا سيما أنها حملت الكثير من الرسائل، خصوصاً على صعيد إدعاء تيار "المستقبل" إحتكاره التمثيلي الشعبي لها.

عملياً، يمكن القول أن الساحة السنيّة بعثت برسالة واضحة إلى قيادة التيار، مفادها أن طريقة تعامله مع الملفات التي تعنيها غير مرضية بأي شكل من الأشكال، والمطلوب منه التنبّه إلى ذلك، قبل أن يصطدم بنتائج مماثلة في صناديق اقتراع أخرى، تأثيرها أكبر على الواقع السياسي في لبنان.

في هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن ما حصل لا يمكن فصله عن مسار سياسي عام، أساسه طريقة تعامل "المستقبل" مع الخصوم والحلفاء على الساحة نفسها، على قاعدة: "أنا الممثل الشرعي والوحيد"، متناسياً أن هناك قوى وشخصيات أخرى لها وزنها القوي، والنتيجة كانت بأن الجماعة الإسلامية أثبتت بأنها رقم صعب على الصعيد اللبناني، في حين أن تيار رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ أكد مرة جديدة بأنه رافعة كبرى على مستوى منطقة الشمال، ورئيس حزب "الإتحاد" الوزير السابق عبد الرحيم مراد أظهر حضوره الفاعل في البقاع.

وتشير هذه المصادر إلى أن هذه القوى والشخصيات كانت قادرة، فيما لو أرادت، أن توجه رسالة أكبر من حيث الحجم، إلا أنها لم تخض المعركة على أساس إلغاء "المستقبل"، هي فقط أرادت أن توصل له رسالة لا أكثر، وترى من المنطقي أن تدفع قيادة التيار إلى إعادة النظر في الكثير من الأمور، وتتوقع تطور الوضع في حال الإستمرار في التجاهل، خصوصاً أن أحداً لن يبقى متفرجاً على نهج الإلغاء المتبع.

الكثير من المعطيات لم تساعد "المستقبل" في هذه المعركة. على الصعيد السياسي تشعر الساحة السنية بأن أداء ممثليه في الحكومة لا يتوافق مع رغباتها، سواء كان ذلك على الصعيد الأمني عبر وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، أو على الصعيد القضائي عبر أداء وزير العدل أشرف ريفي، في ظل الفشل في معالجة ملف الموقوفين الإسلاميين، الذي يستخدم اليوم ورقة بوجه التيار، وملفات أخرى ذات طابع مناطقي، بالإضافة إلى ذلك شعور الكثيرين بأن نتائج الحوار القائم مع "حزب الله" تصبّ في مصلحة الحزب وحده، ولم ينجح التيار من خلاله في تحقيق أي إنجاز، لا بل هو يستمر في مهاجمة الحزب والتأكيد على الحوار معه في الوقت عينه.

وترى المصادر المطلعة أن هناك شعوراً عاماً بأن المناطق المحسوبة على "تيار المستقبل" تدفع ثمن إعتراضه في حال كان هو خارج السلطة، كما حصل مع مدينة طرابلس في عهد حكومة ميقاتي، في حين هو يقدم تنازلات أكبر عندما يصبح في سدة الحكم، ويعود إلى التنازل عن كل الشعارات والرموز التي كان يرفعها، لا بل حتى يتخلى عمن وقفوا إلى جانبه، كما حصل مع ما يسمى "قادة المحاور" في عاصمة الشمال.

من هذا المنطلق، تعتبر هذه المصادر أن على التيار أن يُعيد في المرحلة المقبلة قراءة ما حصل بطريقة جيدة، والإدراك بأن سياسة الإلغاء غير مفيدة له، لا بل من الممكن أن تدفع الخصوم والحلفاء إلى بناء تكتل مقابل قادر على هزيمته في أكثر من مكان، بالإضافة إلى مراعاة الشارع في الخطوات التي يقوم بها، خصوصاً أنه هو المسؤول عن "توريطه" في بعض القضايا التي كان من الممكن تجنبها.

على الصعيد المؤسساتي الديني الوضع ليس أفضل، حيث تؤكّد مصادر معنية بهذا الملف، عبر "النشرة"، على وجود حالة اعتراضية في صفوف المشايخ والعلماء بدأت تثبت حضورها على نطاق واسع، و"هيئة العلماء المسلمين" هي الإطار الأساسي لها، وتشير إلى أن مشكلتها هي بأن "المستقبل"، سعى إلى السيطرة على الهيئة الناخبة، عبر القضاة المدنيين والشخصيات السياسية المحسوبة عليه، على حساب رجال الدين.

بالنسبة إلى هذه المصادر، خسارة تيار "المستقبل" في هذا المكان اليوم قد تكون الأكبر منذ سنوات، وبالتالي عليه البحث في إسلوب التعامل السابق مع مؤسسات دار الفتوى، خصوصاً بعد الأزمة التي كانت قائمة مع مفتي الجمهورية السابق محمد رشيد قباني.

في الجانب المقابل، ترى مصادر نيابية في كتلة "المستقبل"، عبر "النشرة"، أن البعض يبني إنتصارات وهمية، وتشير إلى أن نتائج الإنتخابات لم تلغ واقع أن التيار هو القوة الأكبر على الصعيد الشعبي، وتلفت إلى أن لهذه المعركة ظروفها التي تختلف عن أي معركة سياسية أخرى، إلا أنها لا تنفي أن هناك دعوات لقراءة النتائج داخل التيار الأزرق، لكنها توضح أن ذلك سيتم بعيداً عن وسائل الإعلام.

حتى ذلك الوقت، تشدد المصادر على أن ما تقوم به على الصعيد السياسي يصب في خانة المصلحة الوطنية، وترفض اسلوب البعض التحريضي من بوابة الحوار مع "حزب الله"، وتسأل: "هل المطلوب أن نأخذ البلاد في هذه المرحلة إلى المجهول؟"، وتشدد على أن ما تقوم به واضح أمام الرأي العام، ولا تخلٍّ عن الثوابت الوطنية التي تؤكد التمسك بها أكثر من أي وقت مضى.

في المحصلة، كانت هذه الإنتخابات بمثابة إستطلاع رأي، في الساحة الإسلامية، على خيارات "المستقبل" السياسية، منذ عودته إلى الحكم بحكومة تمام سلام، والنتيجة لم تكن مرضية له طبعاً، فهل يكون لها تداعيات مهمة في المرحلة المقبلة؟