القمة الأميركية - الخليجية ليست مناسَبة عابرة، ولا هي قطعاً حدثاً عادياً، خاصة وأن دعوة الرئيس الأميركي للقادة الخليجيين، جاءت في ظروف بالغة السخونة والتعقيد، على إيقاع الحرب الهادرة في اليمن، والحرائق المشتعلة في دنيا العرب، وخاصة في سوريا والعراق.

وتتضاعف أهمية هذه القمة، غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الخليجية - الأميركية، لأنها تنعقد قبل فترة زمنية محدودة، لموعد التوقيع المفترض على الصيغة النهائية للاتفاق النووي، بين إيران ومجموعة دول الخمسة زائد واحد!

لذلك، لن يقتصر الاهتمام بوقائع محادثات كمب ديفيد ونتائجها، على الطرفين الخليجي العربي والأميركي، بقدر ما ستكون عواصم القرار الدولي كلها في وضعية الاستنفار لمعرفة ما سيتم التوصّل إليه من توافقات، أو حتى تباينات، بين سيّد البيت الأبيض، وزعماء دول يلعب إنتاجها النفطي دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي.

* * *

ليست المواجهة الساخنة في اليمن هي الموضوع الوحيد، ولا تطورات الحرب السورية وحدها ما يشغل المجتمعين في كمب ديفيد، ولا حتى الحرب ضد داعش في العراق والتنظيمات الإرهابية الأخرى، هي التحدّي الأوحد الذي يهدّد أمن واستقرار المنطقة كلها.

لم يعد خافياً، أن التمدّد الإيراني على الخريطة العربية، وما يمهّد له من أساليب التدخل والتحريض وتسعير التناقضات في المجتمعات العربية، أصبح هو الهدف الأوّل لأي تحرّك عربي، إقليمي ودولي، بعدما بلغت التهديدات الإيرانية حداً، لم يعد بالإمكان السكوت عليه، أو التغاضي عنه، لأنها اخترقت دفاعات العديد من الدول العربية، ووصلت إلى حدود الدول الخليجية، وأصبحت مصدر خطر مباشر على أمن شعوبها واستقرار بلدانها.

وأثبتت الحروب الدائرة في سوريا والعراق، وانفجار الوضع في اليمن، أن المحاولات الأميركية لفصل الاتفاق النووي مع إيران، عن عمليات تدخلها في الشؤون الداخلية لأكثر من دولة عربية، لم تكن واقعية، ولا هي تخدم العلاقات التحالفية بين الولايات المتحدة والدول الخليجية، وما يرتبط بها من مصالح استراتيجية قوية للطرفين: الأميركي والخليجي.

وتعددت الأصوات السياسية والإعلامية في واشنطن بالذات، التي تحذر من مغبة التركيز على الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، من دون التوصل إلى صيغة متكاملة تحد من الاندفاع الإيراني نحو مجتمعات دول الجوار، والإقلاع عن إثارة الفتن والاضطرابات بين أبناء الوطن الواحد، بحجج دينية ومذهبية تارة، وذرائع إتنية أو قومية تارات أخرى.

ومن غير المستبعد أن يجد الرئيس الأميركي نفسه أمام موقف خليجي موحد، يرفض الفصل بين الاتفاق النووي مع إيران ودورها التخريبي في المنطقة على اعتبار أن إقفال هذا الملف، والتراجع عن العقوبات الاقتصادية، سيؤدي إلى إطلاق يد إيران في المنطقة، مدعومة بإمكانيات مالية واقتصادية كبيرة، في ظل صمت أو حتى تجاهل أميركي مُريب.

* * *

قد يكون من المبكر الإنصات للأصوات العربية التي تشكك بالنوايا الأميركية الحقيقية، وما يُخطط للمنطقة من صيغ تقسيمية مقنعة، تتخذ من الفيدرالية رداءً مضللاً، وذلك على خلفية القرار الغريب العجيب الذي اتخذه الكونغرس الأميركي الأسبوع ما قبل الماضي، والقاضي بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: شيعية وسنية وكردية، وكأن الكونغرس الأميركي يمثل إرادة الشعب العراقي، وكأن نوابه انتُخبوا من العراقيين، لا من ناخبيهم الأميركيين!

ولكن حجم التجاوب الأميركي مع الهواجس العربية، والخليجية خاصة، إزاء التدخلات الإيرانية، هو الذي سيقرّر توجّهات العلاقات الخليجية الأميركية في المراحل المقبلة.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكبار مساعديه في الخارجية، على اطلاع واسع وموثق على دواعي القلق العربي من التقارب الأميركي - الإيراني في المفاوضات النووية، من دون مبادرة الجانب الأميركي الأخذ بعين الاعتبار، الحد الأدنى من المصالح العربية، ومدى تأثرها بتحرير إيران من العقوبات الدولية، من دون أي تفاهم سياسي، يُعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي في الاقليم ويُنهي مرحلة التدخل الإيراني في الشؤون العربية.

ولن تنفع أي دعوة أميركية للحوار بين العرب وإيران، وخاصة بين الرياض وطهران بعد 30 حزيران، لأن الأخيرة تكون قد تحررت من ضغوطات المفاوضات النووية، وتصبح في وضع تحاول فيه التعويض عن تنازلاتها النووية، على حساب الملفات العربية الساخنة، والمفتوحة على شتى الاحتمالات.

* * *

والأميركيون، يُدركون أيضاً أكثر من غيرهم، أن الوضع العربي بعد «عاصفة الحزم» ليس كما قبلها، وأن المملكة السعودية ودول التحالف العربي، أكدت قدراتها العسكرية والدفاعية، بقوة وانتظام مميزين، استعاد معه الطرف العربي زمام المبادرة، وقلبت موازين القوى، بعدما تمادت إيران في رهانها على العجز العربي، وحالة التشتت والضياع التي شلّت النظام العربي في السنوات الأخيرة.

ورغم حرص الجانبين الخليجي والأميركي على إنجاح قمّة كمب ديفيد، لا بدّ من الاعتراف بأن المحادثات الخليجية - الأميركية ستشكل اختباراً لمصداقية النوايا الأميركية، وتحدياً لأهمية استمرار العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة والسعودية خاصة، ومع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام.

ومن هذا المنظور بالذات، يتخذ الاجتماع الثنائي الذي سيُعقد بين الملك سلمان والرئيس أوباما، طابعاً استثنائياً، على جانب كبير من الأهمية، في تقريب وجهات النظر، وتفعيل الدور الأميركي بصورة إيجابية، إلى جانب المواقف العربية، الباحثة عن حلول حاسمة لأزمات وحروب اليمن وسوريا والعراق.